السبت، 13 نوفمبر 2010

خريف الحُـزن !


عامٌ مضى ...
ولا زالت الكارثة حُبلى بالأوجاع
عامٌ مضى ...
ولازال لقبور الأبرياء صدىً يخاطب أعماق الشرفاء
عامٌ مضى ...
ولا زال للفساد رائحة طغت على رائحة الموت
عامٌ مضى ...
ولا زال السؤال يتعاظم !
من ينتصر لضحايا واعدهم القدر في مكانٍ خطـّطته أيادي الغدر ؟
من يعتذر لجثث لم يُعثر عليها بعد ؟
من يُعيد البسمة لشفاهٍ تيبّست منذ عام ؟
عامٌ مضى ...
وأصغر طفل في جدة يتساءل ببراءة
ما فائدة لجان تتقصّى ولا تقتصّ ؟ !
عامٌ مضى ...
وكل عام وجرحك بخير
يا جـِدة !

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

وجوهٌ في الذاكرة !


يزورني الوجع من غير موعد
وتنزف الجراح من أعماق عاصمة الألم
وأظل في كل حالاتي أسيراً لموعدٍ لا أنتظره
موعدٌ أخافه بقدر أوجاعي
موعدٌ مع الألم ، مع الشجن ، مع الأنين
موعدٌ يُباغتني في عز بسماتي
موعدٌ يَجلدني في صمتي وهمساتي
موعدٌ يفيض بالآهات ، بل ويزلزلني من الأركان
موعدٌ يحيل مساءاتي إلى متحفٍ يحوي مجموعة جراح لا تـُقدّر بثمن
في هذا الموعد
ضوضاءٌ لا أطيق سماعها ، صورٌ لا أقوى مشاهدتها ، تجاربٌ مرّت ، تزداد مع الأيام مرارتها
أشعر بصدمةٍ ، أُصاب بالذهول حينها
إنـّها الذكـــــرى ... ولا سواها
أتجمّد عند درجة المفاجأة بحضورها، لتنقلني أوجاعها إلى درجاتٍ لا حدود لها من الغليان
ذكرى لا تستأذن عندما تحضر
ذكرى تقتحم أسواري
تتسلّق أوجاعي
لتسكن رُغماً عنـّي لبعض الوقت آلامي
ذكرى تـُثير بغبارها سكوني
ذكرى تُهيّج آهاتي وشجوني
يسترخي بحضورها الشعور ، ليأسرني بقسوة ... اللاشعور !
ذكرى تـُبحر بي في موانيء من العذابات لا مرسى لها ، تتقاذفني الأمواج كما تشاء
ذكرى تتجوّل بي داخل أرشيف الجراح ، لتنفض بعض الغبار عن جروحٍ
لم تندمل !
ذكرى تُحلّق بي في فضاءات الشجن
تعرض صوراً متتابعة من ذاكرة لا زالت تحتفظ بالعديد من الوجيه !
وجوهٌ يعلوها اللؤم ، وجوهٌ يكسوها الغدر
وكأني في تلك اللحظة الموجعة في مسرحٍ كبير
أنا كل جمهوره
يُفتح الستار
هاهو العرض قد بدأ
وهاهم الأبطال يـُؤدون أدوارهم بإتقان
سيناريو وحيد عنوانه الخيانة !
لا أملك في نهاية العرض سوى الوقوف والتصفيق الحار لتجربةٍ مريرة تعلّمت منها
أنّ المشاعر الصادقة كالألماس النقي ، تـُطلقها حممٌ ملتهبة من الأعماق
نخلط كثيراً في التفريق بين من يحاول اقتنائها لأجل إسعادنا
وبين من يحاول سرقتها لإسعاد نفسه !
أُسدل الستار
ولا زال العرض مستمراً !

الخميس، 30 سبتمبر 2010

شيء من الواقع !


نُصاب يومياً بمتاعب نفسية بفعل أعباء الحياة اليومية ، أقلّ ما يُقال عنها أنّها مُسكّنات لحالات انفلات الفرح بداخلنا
إذا ما استثنينا أوقات الصلاة وفعل الطاعات والتي لولاها لدخلنا منافس قوي لجمهورية ليتوانيا في حالات الانتحار على مستوى العالم !
يبدأ يومنا برتابة مملة ، لا يوجد في صباحاتنا ما يغريك لانتظاره ، فالوقت يتوزّع ما بين غُرف الأبناء لإيقاظهم ، والبحث عن عقالك الذي استخدمه طفلك الصغير كمقود سيارة ليلة البارحة !
بينما الزوجة أو الخادمة في أغلب الأحيان هي من تتولى جانب إعداد وجبة الإفطار
إن كان هناك مُتّسع من الوقت لتناولها !
تقف للحظات أمام باب منزلك في محاولة لالتقاط المفتاح المطلوب كي تتمكن من الخروج
ولا تجد من يقف بجوارك من مبدأ المشاركة الوجدانية ، فضلاً عن افتقادك لكلمات توديع لا تخلو من الغزل مصحوبة بابتسامة صادقة تجعلك تنسى بؤسك القادم !
وقبل أن تخرج يتم تذكيرك باصطحاب كيس الزبالة للحاوية المجاورة
لتبدأ يومك برائحة ، أخشى أن تكون من مُدمنيها !
تذهب بعدها مسرعاً لسيارتك وأطفال السيرك يسيرون خلفك ، والسعيد هو من يجد عجلات سيارته بكامل يقظتها ، والبطارية بكامل عافيتها في ذلك الصباح
يُدير أحدُنا محرّك سيارته ، وينطلق بها بعدما أنهى المرحلة الأولى من مشروع الرتابة والملل
لتأتي بعدها مرحلة ضغوط الازدحامات وتعطّل حركة السير ، وما يصاحبها من انفلات عصبي يدعوك للتأفف من كل خططنا الخمسية السابقة !
وبعد أن تُكمل مهمتك في إيصال الأبناء إلى المدارس ، تصل متأخراً في أكثر الأحيان
ولا شيء يغيظك أكثر من توجيهات رئيسك في العمل وحثّه الدائم على التبكير في الدوام
وكأنك من ساكني الملحق العلوي للإدارة التي تعمل بها !
وفي قراءة متأنية لمراحل يومك حتى اللحظة
تكون قد أنهيت المرحلتين الأولى والثانية
والتي بدأتها مع زوجتك برائحة كيس الزبالة وأنهيتها باستقبال من رئيسك تفوح منه نفس الرائحة
تمُرُّ ساعات نهار العمل الرسمي كأطول ما يكون
لتبدأ بعدها مرحلة التوقف المتكرر من مدرسة إلى أخرى في رحلة العودة للمنزل
والرحلة هذه المرة لا تختلف عن سابقتها بل يضاف إليها لهيب الشمس وحرارة الأجواء
وتوقفات إجبارية عند المخبز والسوبرماركت ، بأمر رسالة جوال كُتبت بدم بارد
تصل إلى من منزلك بجسد مُنهك ، يتصبّب عَرَقاً
وأكياس تنوء بحملها يداك ، وأطفال مزعجين طيلة رحلة العودة
تُمنّي النفس بكلمات تُنسيك كل ذلك الجهد النفسي والبدني ، وما أن تفتح الباب تتفاجأ بأنّك بلا مُستقبلين !
تتقدم خطوات ثم يأتيك صوت لا تعرف اتجاهه " جبت العيش " ؟!

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

أيحقُ لنــــا أن نـفـــــرح ؟


هو يومٌ ليس كأي يوم ، هكذا يُفترض أن يكون
هو يومٌ للتاريخ ، للجغرافيا ، للماضي ، للحاضر ، للمستقبل
التاريخ .. ولسنا نجهله
الجغرافيا .. حفظناها
الماضي .. لم ننسى مرارته

الحاضر .. مُبهم
المستقبل .. مجهول
هو يوم الوطن ، يوم المواطن
يومٌ عندما يُذكر يجب أن نذكره بكل تفاصيله
لا يجب أن نُسلّط الضوء على ماضٍ به نفتخر ، ونغض الطرف عن حاضر به نحتضر !
عندما نسترجع ماضي المؤسس يجب أن نستحضر معه ماضي الأجداد جميعاً ، فلهم مع المعاناة وشظف العيش قصة يطول شرحها ، ويتشعّب سردها !
في تلك الحقبة من الزمن الجميع راض ٍعن الحال
تقدّمت الأيام وتقادمت المعاناة
تطورت الأحوال وتفجّرت الأبار السوداء وماذا كانت الحصيلة ؟
قلة من المتنفذين وأصحاب القرار في ثراءٍ فاحش ، وسوادٌ أعظم من الشعب يُكابد من أجل البقاء والعيش الشريف
شعب بعضه يسكن في بيوت الصفيح ، وبعضه يسكن في بيوت شعبية ، وجُلّه يسكن مستأجراً تحت رحمة مؤشّر في حالة صعود مستمر!
رواتب لا تكاد تفي بأبسط مقوّمات الحياة الشريفة ، مئات الآلاف من العاطلين ، خدمات صحية متواضعة ، مدارس وجامعات مُتكدسة !
هذا هو الحاضر فماذا عن المستقبل ؟
هل يحق لنا أن نتفاءل بقادم الأيام ، في ظل نزف جراح يومنا الحالي ؟
هي ليست دعوة للتشاؤم
ولكنّه واقع يُجبرنا على التوقف عنده أحياناً
هي ليست دعوة لوقف مواكب الفرح
ولكنّها حقيقة تدفعنا للتريث في نثر أفراحنا
لنحتفل بهذا اليوم ، لنفرح به ، لنحمل الأعلام ، لنقبّل الرايات ونكفكف دموعنا بأطرافها
لا يجب أن نخجل ...
فمن سيرانا نذرف الدمع حينها ، حتماً سيُجيّرها لفرحة عجزنا عن مقاومتها !

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

أيا عيدُ ...!


أيا عيد ُ..

أين هم أحبائي ..

أين هم رفاقي ..

أين هم صحبتي وأخلائي ..

مات أغلاهم ..

وتناسى العشرة أكثرهم ..

لم يبقى لي سوى الذكرى تسليني ..

وبعض الدمع يكفي البعض من جرحي ..

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

وداعــــــــاً ... قد لا نلتقي !



أزف الرحيل
يا شهراً ليس كباقي الشهور
حان الفراق
يا شهر التوبة والغفران
حان الوداع
يا شهر الرحمة والقرآن
يــــا تُرى
أهو الوداع الأخير ؟
أم سيُكتب لنا معك لقاء ؟
رمضان يا سِيد الشهور لا تنقضي
رمضان يا شمس الشهور لا تنجلي
رمضان لا ترحل
رمضان لا تعجل
فمع ساعات نهارك نسمُو بأخلاقنا
وفي ساعات ليلك نسمُو بأرواحنا
رمضان يا صدى المآذن
رمضان يا صوت المنابر
فيك يا رمضان

تـُـضاء شـُـموعنا ، وتـُعمّـر مساجدنا ، وتُـفتح مصاحفنا ، ويدوم قيامنا ، ويطول سُجودنا ، وتـُرفع أكفـُنا ، وتتساقط دموعنا
فيك يا رمضان

تحنُّ قلوبنا ، وتـُشفى صدورنا ، يتعاظم عطفنا ، ويتلاشى بطشُـنا
فيك يا رمضان

نـُطلق إنسانيتنا ، نعتقل قسوتنا ، نـُكبّل شهوتنا
رمضـــــان لا ترحل وحيداً
رمضــــــان خـُذها ... دمعات الرحيل
رمضـــــــان خـُذها ... أهات الحنين
حتماً ستعود يا رمضــــان ، وليس حتماً لقاؤنا
حتماً ستعود يا رمضــــان ، وليس حتماً بقاؤنا !

السبت، 4 سبتمبر 2010

مُذكّرات طالب في الصف الأول " ب "



قبل بزوغ الفجر ، وقبل أن يرتحل الليل
تتقاطع كل ليلة في ذات المكان ، مع تغيّر الزمان ، خيوطٌ بيضاء مُستبدة
بخيوطٍ سوداء حالمة، لتقبع الأخيرة في أسر دائرة الضوء إلى حين !
هاهو الليل يُغادر خجلاً بعد أن كشف الخيط الأبيض أستاره
هاهو القمر يرحل حزيناً ، بعد أن حكى للعشاق علنه وأسراره
صياح الديك يتردّد صداه في الأرجاء ، يتداخل معه صوت المؤذن
الله أكبر ... الله أكبر
يتجدّد للعصافير لحنها الشجيّ ، تستيقظ الزهور وتنبعث منها رائحة الحياة
نستيقظ أُمّنا لتُشعل الأنوار ولا نور يفوق نور وجهها المُضيء ، تلتحف شرشفها وقطرات ماء الوضوء تتساقط من وجهها الطاهر
هيّا يا عيالي قوموا للصلاة .. قوموا الله يهديكم
دقائق معدودة نقضيها في التحوّل من جنبٍ إلى أخر ، يتم فيها استخدام الرُكب عند الضرورة
حيث أنّنا ثلاثة إخوة بأجساد بالغة النُحف ، ننام على طراحتين وتُغطينا بطانية واحدة
نستيقظ على رائحة الحليب المغلي استعداداً للذهاب للمدرسة
نجلس على سفرة الإفطار بوجوه مكتئبة ، وعيون ناعسة ، وأفواه متثائبة
والسعيد فينا من لديه حصة رياضة في ذلك اليوم ، تجده يحرص على ارتداء فانيلة حمراء وبنطلون أخضر وشُرّاب تفوح منه روائح لا زلت أحنُّ لاستنشاقها !
نحمل شِناطنا مُتّجهين بكامل إرادتنا ما يُشبه اليوم معتقل جوانتانامو !
نمشي بخطواتٍ متثاقلة ، نركلُ كُلّ ما يقع أمام أقدامنا من حجارة وعُلب فارغة في رحلة المسير
والفائز هو من يثسجّل كوبري في الأخر !
نصل المدرسة على صوت وإيقاعات أبو بكر سالم يا بلادي واصلي ، تلك الأغنية الوطنية التي تبثها إذاعة المدرسة يومياً ، حتى كرهناها لارتباطها الشرطي بالمدرسة !
هاهو الجرس يُقرع وكأنه يقرعنا في رؤوسنا القرعى !
الكل يركض مُسابقاً ، للوقوف أولاً في طابور الصباح ، باستثناء بعض الكسالى الذين يتوارون في نهاية الصفوف !
واحد اثنين ثلاثة أربع ... مقطوعة يومية لتمارين الصباح
يتخلّّلها بعض التكفيخ من بعض الجبابرة من المعلمين أثناء سيرهم بين الصفوف تحت بند
" اعدل نفسك ، حرّك يدّينك ، خُذ مسافة "
الحصة الأولى على وشك البدء والصراع على أشُدّه للحصول على شرف مسح السّبورة
غبار الطباشير يتناثر في المكان وعلامات استفهام قلقة تتناثر في الأركان
الجميع يسأل الجميع :
حلّيت الواجب ؟ حفظت جدول الضرب ؟
وقبل أن يُكمل الكسالى تعدادهم ، تطرُق باب الصف خيزرانة مُزيّنة باللونين الأخضر والأبيض تم تنسيقها بعناية فائقة ، يحملها معلم الحساب الذي يُحيّينا بعد تحية الإسلام بــالعبارة الشهيرة
الّلي ما حلّ الواجب يوقف
نقف أغلبنا في يومٍ ليس بيوم عرفة ، ليست بلادة ولا إهمال ، ولكنّنا جميعاً أبناء لوالدين يحملان درجة الأمية مع مرتبة الشرف
من يشرح لنا ، من يتابعنا ، من يساعدنا في دروسنا ؟
جميع ما سلف لا يشفع لنا لديهم ، بل أنّ عبارة أولياء أمورنا الخالدة

" اللحم لكم والعظم لنا "
بمثابة إقرار يمنح أولئك الجبابرة كامل الحق في سلخ جلودنا ، وشلوطة رؤوسنا !
لن ينسى أخي الأكبر طيلة ما بقي له قلب ينبض بالحياة ، ذلك المدرس الفلسطيني الذي قام برفعه وهو في الصف الأول ليمسح به السبورة !
ولن ينسى صديقي العزيز طيلة ما بقي له لسان يلهج بالدعاء ، وكيل المدرسة عندما قام بجلده – فلكة – أمام جميع الطلاب وهو في الصف الأول أيضاً ؟
تنقسم الحصة في تلك المرحلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم التفتيش والتحقير ، فسم التعذيب ، قسم الشرح
انتهت الحصة الأولى وليست الثانية بأفضل منها
نفس السيناريو ونفس الحوار يتكرّر ، ولكن يختلف المُخرج ، باختلاف أساليب التعذيب آنذاك !
فُسحة ... فُسحة
عبارة الكل يعشقها ما أن يرّن جرس الفسحة حتى تجدنا نتسابق في الممرات ، في تلك اللحظة فقط

يمكنك مشاهدة شفاه باسمة !
لما لا ؟ والفسحة لنا بمثابة استراحة قصيرة ننسى خلالها بعض آلامنا ، نُرمّم خلالها بعض ما تهدّم من شخصياتنا !
نتجمّع في أركان الفناء لتناول ما يُمكنه أن يُخرس أصوات أمعاؤنا الفارغة
رُبع حبة تميس ، مدهونة بالميسور إن وُجد !
بعدها نُكمل اللهو والمطاردات ، قبل أن يتجدّد لنا مع العذاب موعد أخر !
الحصة الأخيرة تكاد تكون بمثابة الإنعاش الحقيقي لمداواة بعض جراحنا ، فمعها نُفكّر في القادم على كُبر أوجاع ما مضى
نُشغلها في التفكير ، والخيال ، والأحلام
نُفكّر في وجبة الغداء
نتخيّل تجمّع الرفاق فترة العصر للحديث عن أخر مغامرات السندباد !
نحلم بنهاية جميلة ليوم دراسي كئيب !
وبعد طول انتظار تُُدوّي في الأرجاء أجمل نغمة للجرس ذلك اليوم
نغمة الانطلاق لفضاء الحرية
تمتزج معها أصواتنا المبتهجة بنهاية سعيدة ، تتجدد بنهايتها بداياتنا الحزينة !

الأربعاء، 18 أغسطس 2010

أحــــلام ... عانـــس !



أحلام فتاة كأي فتاة عاشت حياتها في بيئة محافظة أنهت تعليمها العام ثم الجامعي

لتقف في صف طويل من المتقدمات لسلك العاطلات

مضت السنون وهاهي الآن على أولى عتبات الثلاثين من العمر !

كانت كمثيلاتها من الجامعيات تنتظر فرج الوظيفة ليكون لها بمثابة المفتاح السحري لحياة زوجية منتظرة

فوظيفة الزوجة باتت شرطاً وحيداً للراغبين في الزواج !

لما لا وأختيها المتزوجتين حديثاً كانتا بمثابة الدليل الراسخ لصدق تنبؤاتها ، فمع صدور قرار تعيين كل منهما كمُعلمة في إحدى القرى النائية ، كان صراع العرسان على أشُدّه ، الكل يرغب في استثمار الفرصة الذهبية!

أحلام فتاة مثقفة تعلم جيداً من خلال ديون والدها وبطالة أخوتها أنّ الظروف الاقتصادية باتت تُهدّد النسيج الاجتماعي ، وتُبشّر بظهور طبقة اجتماعية تعلو خط الفقر بدرجة ، بعد أن كانت في السابق ما تسمى الطبقة المتوسطة !

تعلم جيداً أنّها على بُعد أشهر قليلة من سِنّ العنوسة وهو سِنّ الثلاثين أو يزيد قليلاً !

كغيرها من نسبة الــ 24 % من العاطلات ، تبدأ أحلام يومها بمتابعة الصحف والمواقع الإلكترونية على رجاء أن تسمع خبر نفيها في إحدى القرى البعيدة !

هاهو الصيف على الأبواب والإستعدادت لحفلات زفاف شباب القرية التي تنتمي إليها على أوجّها

كأي فتاة تطمح للزواج ، تنتقي أحلام أجمل الثياب وتبالغ في زينتها قبل الذهاب لحفلات الأعراس على أمل أن تُلفت نظر إحدى الحاضرات لتقتنصها عروساً لابنها

قبل أن تخرج من منزلها تقف أمام المرآة لوضع اللمسات الأخيرة ، تنظر لنفسها بعيون الحسرة على ما آلت إليه الأحوال في مجتمعنا

فلا الجمال الذي تنعم به ولا السمعة الطيبة التي تتمتع بها كافيتين لكي يطرق بابها فارس أحلام

لم يعُد للشعر الغجرّي مُعجبين ، ولم تعُد للعينين النجلاوتين متيّمين ، ولا للعود الريّان مُغرمين

كل هذه الأشياء باتت من الماضي ، فالجمال الحقيقي في نظر البعض هو المال !

كانت تتردّد على الأعراس ليس عشقاً بالجو الفرائحي ، بل تتوسّل نظرات الأخريات كمن تنشد الستر لنفسها

كانت النظرات تتبعها هي والكثيرات معها ، ولكنّها ليست نظرات المعجبات ، بل نظرات الشامتات ممّن لا همّ لهنّ إلاّ الكلام في الأعراض ، كانت تلاحقها الاتهامات ، وتجري خلفها الشائعات ، وكأنّ نصيبها رهن إشارتها !

انتهى الصيف وتوقّفت معه الأفراح والتي لم تجني من ورائها سوى الأحزان ، ليس اعتراضاً على القدر ، فهي تؤمن بفطرتها وتديّنها أن نصيبها بيد الله عز وجل

ولكنّها نظرات العطف والشفقة والازدراء التي لا ترحم ، وشائعات النسوة وغيبتهنّ - هي من أصابها في مقتل !

أغلقت على نفسها الأبواب في محاولة للتكيف مع الوحدة التي ربما تكون مصيرها

زواج أو خطبة إحدى قريباتها أو صديقاتها بات من الأخبار الموجعة لأحلام ، ليس حسداً لهنّ ، ولكنّها مناسبات تُجدّد جراحها بعد أن تكون قريبة من نسيان آلامها !

مرت السنون وهاهي أحلام في منتصف الثلاثينات وقطار العنوسة يسير بلا توقف

باستثناء بعض المحطات التي تُحيي الأمل بداخلها ثم سُرعان ما تصعد القطار من جديد

لم تُعد أحلام ترغب في الوظيفة ، ولم يعُد طموحها الزواج ، بل كانت غريزة الأمومة تؤرّق مضجعها ، فعشقها لأطفال أخوتها لا يوازيه عشق ، وكلمة أُم أقصى ما تصبو إليه !

كان صراخ الأطفال يزيدها ألماً على ألم ، ولهوهم يصيبها همّاً على همّ ، وضحكاتهم تزيد دموعها أدمُع

كان لأحلام كبريــــاء صلب ، وعاطفة بلغت حدّ الاكتفاء ، ممّا يجبرها في لحظات الخلوة

أن تجهش في البكاء بعد كل زيارة لأخواتها المتزوجات

هذه تُريها أحدث هدايا زوجها ، وتلك تقرأ لها أخر رسائل الغزل المرسلة من زوجها

كم هي مسكينة أحلام

هاهو التعيين قد جاءها ، وهاهُم العرسان يطرقون الباب

أجهشت أحلام بالبكاء لا تدري أهو شعور الفرح ، أم هو حزن على والدها الذي تُوفي قبل أن يفرح بها

كفكفت دموعها ، ونظرت للمستقبل بشموخ وأنفة ، في انتظار موافقة أخيها على من ارتضته فارس أحلام

ما لبثت أن انهارت بعد علمها رفض أخيها لكل من تقدّم لها ، بداعي أنها مصدر دخلهم الوحيد !

استفاقت أحلام من صدمتها ، وأقسمت على أن تنتقم ولكن مِن مَن ؟

من أخيها العاطل ، الذي قام بعضلها ليستبيح راتبها ؟

أم من الدولة التي لم توفّر فرص عمل برواتب مجزية لأخيها وأسراب العاطلين ؟


السبت، 14 أغسطس 2010

مُطلّقات... خلف القضبان !


في مجتمعنا المحافظ نهتم كثيراً، بل يصل بنا الاهتمام حدود التّزمُّت المقيت - بماذا؟
نهتم بالمظاهر ، نهتم بالقشور ، نهتم بكلام الناس
أصبح العيب هو عميد المبادئ ، أصبح كلام الناس هو السلطة الخامسة
نحكم على الآخرين بكل تسرّع ، نعارض كل ما ينافي مبادئنا وتراثنا حتى وإن كان خطأ !
والمرأة في مجتمعنا هي أكثر من يدفع ضريبة ثقافة العيب
قضايا المرأة في مجتمعنا المحافظ هي قضايا شائكة ، بل أن التطرق لبعض تفاصيلها أو حتى الاقتراب من عناوينها العريضة ، بمثابة خط أحمر لا ينبغي تجاوزه !
سأكتفي هنا بطرح قضية قد لا يخلو منها بيت ، إنها قضية المرأة المُطلّقة
دونكم هذه النماذج :
امرأة مُطلّقة... ذنبها - ارتباطها بمن لا يخاف الله فيها !
امرأة مُطلّقة ... ذنبها - ارتباطها بزوج مستهتر لا يوجد في قاموسه معنى للمسؤولية !
امرأة مُطلّقة ... ذنبها - ارتباطها بشاب مسلوب الإرادة يتلقى الأوامر والتعليمات من خارج المنزل !
امرأة مُطلّقة ... ذنبها - أودعت زوجها كل أملاكها ليكافئها بالجحود والنكران ، ويهديها أجمل ضُرّة !
امرأة مُطلّقة ... ذنبها - رضوخها لسلطة ولي أمرها ، لتجد نفسها ممرضة لعريس في عمر جدها !
امرأة مُطلّقة... ذنبها - استسلامها لجبروت العادات ، ليكون عريسها الأقرب وليس الأمثل !
من يحمي هذه الفئة في مجتمعنا ؟
مجتمع مُتسلّط ، مجتمع قاسي ، مجتمع لا يرحم
ينظر للمُطلّقة على أنه كائن غير مُرحّب به في المجتمع !
تبكي المُطلّقة ولا تجد من يكفكف دموعها ، تصرخ ولا تجد مجيب ، تستغيث فلا تجد مغيث
تُجابه بسلسلة طويلة من الأزمات، بدايتها الأهل ونهايتها المجتمع
أهلها أول معارضي طلاقها وإن كانت على حق !

لا تجد من يقف معها في انتزاع حُريتها ، تضل لسنوات في عداد " المُعلّقات " !
ولشراء حُريتها من قوامة من يعتقد أنه رجل ، تخوض جولة مُطوّلة من المساومات
لتجد نفسها في نهاية المطاف مجبورة على الخُلع !
تحوم حولها الشبهات ، تكثر الأوامر والمنهيات ، تتّسع دائرة المحظورات
النظرات تُسلّط عليها ، والاتهامات تأتيها من كل جانب !
إنه العــــار في نظر المجتمع
والعــار بحق هو تلك النظرة العـــار !
وإزاء تلك النظرة القاصرة
تجد المُطلّقة نفسها في الغالب بين مطرقة عجوز مُعدّد ، وسندان شاب مغازل !
لماذا المُطلّقة هي الحلَقة الأضعف في المجتمع ؟
لماذا تُسلب حقوقها ولا تجد من يؤازرها ؟
لماذا تُثار حولها الشكوك ؟
لماذا تُحاط بها الظنون ؟
أين حقّها في حياة كريمة ؟
أين حقوقها الشرعية والقانونية ؟
أين حقّها في السكن والنفقة والحضانة ؟
أين حقّها في نظرة عادلة من المجتمع ؟
لماذا تُكبّل بالعيب وتُسلسل بأغلال "كلام الناس "؟
ولكي أكون عادلاً في طرحي لا بُد وأن أُشير إلى أكبر انجاز تحقّق للمُطلّقة وسط هذا السلطة الذكورية

قراراً جاء متأخراً لوزارة العدل ، يقضي باستلامها شهادة حُريتها من حضرة القاضي !
لتتحرّر أخيراً من سجن الزوجية ، وتدخل بكامل إرادتها سجن المجتمع الكبير !

الأحد، 8 أغسطس 2010

كلمات ... حبرها دمعي !


في زمانٍ مضى ، كانت بيوت الجيران بيتنا الكبير
في زمانٍ رحل، كانت الأبواب مُشرّعة للجميع
كانت القلوب بيضاء ، الحب هو قاسمها المشترك
كانت البراءة في التعابير، السُمو في التعامل، الصدق في الشعور - هي الديدن
كانت التاسعة صباحاً ساعة صخب تُقرع أجراسها في جميع المجالس
كانت رائحة القهوة تفوح في الأرجاء ، والجارات يحملن ترامس القهوة وخبزة الملال ، يدرن بها البيوت
كان الأطفال يمارسون اللهو على الأرصفة وفي الطرقات
كم بكينا على الكرة عندما تُغتال تحت العجلات !
أهـ على كلماتٍ كم عشقتها واندثرت
" أمي تسلم عليكم وتقول إذا ما بتروحون مكان بتجيكم "
" أمي تسلم عليكم وتقول عندكم طماطم "
" أمي تسلم عليكم وتقول اعطونا شوية هيل "
أهـ على تلك القدور التي تدور في الحي ، كم كنت سفيراً أميناً لحملها
أهـ على ليالي رمضان وكيف كنا نُعبّر عن فرحتنا بمقدمة بسلك الغسيل بعد أن نشعل به النار
أهـ على المسامير التي كنا نحفر لأجلها الإسفلت لنملأه بالكبريت ثم نستمتع بصوتها يُدوّي المكان
أهـ على بسطات البليلة وترامس الأيسكريم في ليالي رمضان
كنّا نسير بأقدام حافية ، وثياب مشقوقة
أهـ كم أتوق لليالي العيد ... زمــــان
كنّا نجتمع لأجل أن يشاهد كلٌ منّا ملابس عيد الأخر!
كانت رائحة الملابس والأحذية الجديدة بمثابة جرعة منشطة لمواصلة الحياة
كانت الحلاوة تتوسط المجالس يجاورها زجاجة عطر تتصل بها كرة ذهبية صغيرة طالما تصارعنا من أجل الفوز بها عندما ينتهي العطر!
ما أجمل صباح العيد عندما ننتشر جميعاً نطرق الأبواب ، نتسوّل الحلوى والريالات ، وشعارنا الموحد
"من العايدين" !
كانت جيوبنا ملأى بالحلوى ، نعود سريعاً لتفريغها في المنزل ، ثم نواصل الغارات
ليتنا نعود كما كنّا ... ليت الزمن توقف مع أخر ضحكاتنا البرئية
أهــ ... أهـ ... أهــ
أتوقّف هنا ففي القلب غصة ، وفي العين دمعة ، وفي الصدر حُرقة !

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

سِرّي ... وليس للنشر!


من إحدى قمم قرى جنوب الطائف –دلوعة الغيم–
والتي أجاد في وصفها الشاعر عندما قال :
لا هان من سمّاك دلوعة الغيم
قصة عشق مابين أرض وسحابة
وعلى ارتفاع يقارب الـــــ 2500 م عن سطح البحر جلست على شفا أحد مرتفعات جبال السراة ، كان الوقت ظهراً
وخيوط الشمس تتسلل من بين فجوات الغيوم الحالمة ، بينما الضباب يتسرب من بين ثنايا الجبال الشاهقة!
كان للسحب موعد في ذلك المكان، تدفعها الرياح من جانب، بينما الأشواق تدفعها من الجانب الأخر .
كنت أنظر للروابي الخضراء على جنبات الوادي وهي تلثم الضباب!
دقائق مضت ارتدت السماء خلالها رداءها الأبيض ، ما لبثت أن عانقتها سحابة رمادية قادمة من الشرق
رسمت على الأرض أجمل معاني العشق ، لتجسّد على الواقع أجمل أبيات
البدر
عشقـٍ جمع مـا بيـن قـ'ـَاع وغيمـة ... سيّلـ على صدر الثري دم'ـَع الآمـزانـ
مع تلك الأجواء الماطرة ، والمناظر الخلابة ، بادلت الأرض السماء العشق بالعشق، واكتست هي الأخرى الرداء الأبيض بعد أن احتضنت على صدرها حبات البرد!
كان المنظر أكبر من قدرتي على التأمل ، غبت عن الوعي حتى إشعار أخر ، وسرحت بخيالي إلى حيث لا أدري ، إنها أحلام اليقظة تأتيني في مثل هذه الأجواء الساحرة !
خلت نفسي أسير في إحدى شوارع العاصمة الرياض ، وسياط الشمس تجلدني من كل جانب ، فإذا بي صدفة وأثناء توقفي عند إحدى الإشارات الضوئية بمعالي رئيس مجلس الشورى يقف بجواري ، نظر إلي بابتسامة وحيّاني بيده ثم أنزل زجاج سيارته الأمامي لينبّهني إلى كفر سيارتي الأيمن الذي تمكّن منه النعاس !
شكرته على اهتمامه بشؤون المواطنين ، ثم طلبت منه مساعدتي لعدم وجود عفريته لديّ
أبدى موافقته ثم أردف مازحاً : انتم يا المواطنين
عفاريت !
أمر سائقه الشخصي أن يتكفل بشأن سيارتي ، ثم طلب مني الصعود إلى سيارته لحين انتهاء السائق من مهمته
بادرني بالقول : أنا قد شفتك قبل اليوم ، بس ما أدري فين ؟
أجبته على الفور : والله يا معالي الرئيس أنا اللي كل يوم اشوفك بالجرايد والتلفزيون ، لكن أنت ما ظنيت انك شفتني .
تبسّم كعادته ثم قال : انت تكتب في المنتديات، صح ؟
في تلك اللحظة ، بلغ مني الغرور مبلغه لإحساسي أنني أصبحت ضمن المشاهير ثم أجبته :

أطقطق على خفيف طال عمرك ، إلاً صدق كيف عرفت الله يحفظك ؟
قال : من اسمك المستعار على طبلون السيارة

كان يعلو الطبلون ملف أخضر علاقي مائل للصفرة بفعل حرارة الشمس
ضحكت كثيراً حتى بدت نواجذي ، ثم ربتُّ بيدي على كتفه قائلاً : الله يقطع سواليفكم في المجلس يا معالي الرئيس ، حتى هذي ما فاتت عليكم ؟
فعلاً المجلس ما يترك لا شاردة ولا واردة إلاً ويدري عنها .
بادلني الضحكات ثم أخرج من كيس بجواره علبة بيبسي بريال ونصف

– يبدو أنه كان يخطط لشربها على وجبة الغداء – وقال : اشرب يا ملف وبرّد على قلبك ، ترى مواضيعكم في المنتديات ما تخفى علينا ، عندنا لجان خاصة لدراستها ، مهمتها إيجاد الحلول العاجلة لمشاكل المواطنين !
نظرت إليه بتعجب ثم تجشأت تحت تأثير المشروب الغازي قائلاً : معقووووووولة!
أخذ طرف الشماغ ووضعه على أنفة ، ثم قال بصوت هادئ : نعم يا ملف كل شيء نعرفه بالمجلس
تصدق حتى حملاتكم بالمنتديات نأخذها بعين الاعتبار ، ثم مدّ يده إلى كيس يقبع في المقعدة الخلفية
ليريني بيجامة خضراء بشعار الوطن كانت بداخله ، ثم قال : هذه البيجامة يا ملف تجاوباً مني مع حملتكم الميمونة في المنتدى

" خلووه يلبس " !
اندهشت مما رأيت ، لم أتخيل أن صوتنا مسموعاً إلى هذا الحد!

ثم قلت : طيب وباقي الحملات طال عمرك ؟
حملة " أريد بيتاً لأبنائي قبل مماتي " ،
حملة " خلوها تصدي " ، حملة " أريد وظيفة "
تفاجأ بالسؤال ثم تنحنح قليلاً بعد أن شعر بالإحراج والتفت للسائق يسأله : بدّلت الكفر ؟
كان السائق حينها قد انتهى بالفعل من إنجاز مهمته
شكرته ودعوت له قبل أن أغادر سيارة معاليه ، على وعد قطعته معه بتكملة الحوار في موعد أخر
بعد أن طلب مني إعطاء السائق رقم هاتفي للاتصال بي لاحقاً.
انطلق سائقه بسرعة عالية شمالاً، بينما انعطفت بسيارتي جنوباً، غير مصدق أنني كنت مع معاليه!
وصلت منزلي وتناولت الكبسة - الوجبة الرسمية للمواطنين – ولم أخبر أحداً بخبر لقائي معاليه
بعد أن انتهيت من لعق أصابعي ، رفعت طاسة اللبن البقري إلى الأعلى ثم أملتها إلى فمي بزاوية 60 درجة
وشربت منها حتى عجزت أنفاسي عن التوقف الاضطراري أكثر من ذلك ، ما أن وضعت الطاسة على الأرض حتى انفجر أطفالي من الضحك وهم يشيرون إلى علامة الجودة التي ارتسمت على أطراف أنفي !
حمدت الله على نعمائه، حاولت أن أنهض ، ولكن هيهات !
لبثت في مكاني حتى اكتمال المرحلة الأولى من الهضم ، وتحت إغراء برودة المكيف في ظهاري الرياض الحارقة استسلمت للنوم معتمداً على مسند كان بجواري ، انطلقت بعد ذلك أسراب الذباب الموسمية في مهمة اقتسام الدهن العالق بين أصابعي !
كان شخيري بمثابة موسيقي حماسية لذلك السرب في معركته الحامية ، بدأت معه رحلة أخرى من الأحلام ولكنها في المنام هذه المرة ، وقبل أن أبدأ في بناء قصوري الحالمة ، رنّ جرس هاتفي المحمول فأفزعني وأسراب الذباب .
كان على الطرف الأخر صوت معالية : الأخ ملف ؟
أجبته بصوت ناعس ومتهدج : نعم
تأسف بلباقته المعهودة واعتذر عن إزعاجي ، وطلب لقائي لأمر هام حين استيقاظي
أغلق الهاتف وواصلت والذباب الرحلة من جديد .
استيقظت لصلاة العصر ، ثم ذهبت للقاء معاليه وكان الموعد إحدى المخططات الحديثة
شمال مدينة الرياض
رأيته يحمل بيده متراً لقياس أطوال إحدى القطع للتأكد من أطوالها ، كان يمسك المتر من أحد الأطراف بينما كنت أمسكه أنا من الطرف الأخر !
بعد أن سجلنا المساحات 30×30 سألني عن الموقع إن كان أعجبني أم لا ، أبديت له إعجابي ، ثم قال : اذهب غداً إلى القاضي فلان في كتابة العدل الأولي حتى يتم إفراغ القطعة باسمك ، انطلقنا من المكان بعد أثنيت على تفهّم معاليه لاحتياجي كمواطن ، بدأت بعد ذلك أحاديث المجاملات والتلميع ، حتى توقفنا عند وكالة الجفالي ثم طلب مني اختيار السيارة التي أرغب ، بعد أن ألح عليّ في الطلب ، لم أجد بداً من الموافقة ، ووقع اختياري على الطراز S300

طلب من الموظف تسجيل السيارة باسمي ، والذي بدوره طلب مني إمهاله يوماً واحداً لإنهاء الإجراءات حتى أتمكن من استلامها !
وقبل أن تغيب شمس ذلك النهار أخرج من جيبه الأيمن دفتر شيكات ثم أعطانيه

لكتابه رقم لا يقل بأي حال من الأحوال عن سبعة منازل!
كان إصراره أكبر من محاولات رفضي .
أذّن المؤذن لصلاة المغرب فدخلنا سوياً لأداء الصلاة ، وبعد أن انقضت الصلاة ، وانتهينا من السنة الراتبة
أخذني معاليه إلى ركن قصي في المسجد ، ثم قال :
اعلم يا رعاك الله أن الدنيا دار بلاء ،
وأن الآخرة دار جزاء
وأن المال يميل بقلب صاحبه ، وأن المال فتنة وقد أخبر بذلك النبي-صلى الله عليه وسلم-فيما صح عنه
"إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال"
ها أنا قد اختبرتك بحنكتي ودهائي وأعطيتك من المال ما يفوق أحلامك ، ما جعلك تنسى الأمر الذي طلبت لقائي من أجله !
كنت تريد نقاشي حول تلك الحملات التي يطلقها المواطنون بين الحين والأخر ، ولكنك فتنت بالمال وتناسيت مهمتك الرئيسية !
لما اللوم يا ملف على أعضاء المجلس ؟
إتهم على نفس النهج ! يتم تعيينهم وهم أصحاب دخل محدود يحملون العديد من الهموم والأفكار
يتم تحسين أوضاعهم وإغراءهم بالمزايا والبدلات قبل أن يضعوا أقدامهم على عتبات المجلس
كيف تريد من هؤلاء أن يشعروا بالمواطن ؟!
كيف تريد ممن يسكن في فيلا فاخرة ، و بدل سكن يبلغ مائة ألف ريال
أن يشعر بمن يسكن بيوت الصفيح ؟!
كيف تريد ممن يصل راتبه الشهري 23 ألف ريال بخلاف البدلات والمكافآت أن يشعر بموظف على بند الأجور لا يصل راتبه ألفي ريال ؟
كيف تريد ممن يحصل على مبلغ ثلاثمائة ألف ريال لكل دورة من دورات المجلس ، أن يشعر بحاجات العاطلين ؟
كيف تريد ممن يعالج وأفراد عائلته في المستشفى التخصصي للحالات البسيطة أن يشعر بمعاناة المواطنين مع مستشفيات وزارة الصحة ؟
أشفقت عليه ، شعرت بالمرارة والأسى بين طيات حديثه ، وطلبت منه التوقف قائلاً
كفاية طال عمرك
نظر إلىّ بعين الحسرة ، تنهد من الأعماق ، ثم أنشد هذين البيتين:
لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيهـا
لا يسهر الليل إلاّ من به ألـمٌ ... لا تحرق النار إلا رجل واطيها

طال بنا الحديث ولم يقطعه علينا إلاّ المؤذن وهو ينادي لصلاة العشاء
وبعد أن أدينا الصلاة ، غادرت المسجد مصطحباً معاليه إلى سيارته ، وقبل أن أغلق خلفه الباب
قمت بإرجاع الشيك ، وطلبت منه إلغاء مبايعة المرسيدس وقطعة الأرض !
طلب مني إيصالي للمنزل ، ولكن رفضت ، أصررت على ركوب الليموزين ، أردت أن أعود لطبيعتي
أردت أن أعيش حُراً بقلمي ، حُراً بكرامتي
بعد أن عشت لسويعات عبداً للمال ، نسيت خلالها مبادئي التي طالما حاربت من أجلها
اخترت أن أكون حُراً رغم حاجتي ، أحمل همّ الفقراء والمعوزين ، أحمل همّ الموظفين والعاطلين ،
اخترت أن أكون صوتاً مسموعاً يتعدى صداه الأفاق ، لا أن أكون بوقاً كأبواق الفوفوزيلا يصم الأذان !
ودّعت معاليه ، ثم أشرت لسائق ليموزين من الجنسية البنغالية ، وقبل أن اسأله عن ثمن المشوار!
توقفت الأمطار الغزيرة في تلك البقعة من جبال السراة ، بعد أن انقشعت الغيوم الكثيفة أعلاها ، وعاد للسماء صفاءها من جديد ، أحسست بنسائم الهواء التي تعقب المطر تدغدغ أنفاسي ، وأصوات العصافير المنتشية تداعب سمعي ، انتبهت على رائحة الأرض عندما يودعها المطر ، التفت في كل الاتجاهات فإذا بي وحيداً على ربوة عالية ، ضحكت بصوت عال ، وقبل أن استجمع صداها من أرجاء المكان
اهتز هاتفي الجوال على نغمة sms فحواها الأخ ملف مع وافر التحية والتقدير
تم رفع الإيجار بمقدار ألفي ريال ، اعتباراً من السنة الجديدة والتي تبدأ مع شهر رمضان المبارك وكل عام وانتم بخير !

نـــــهــــ حلم ــــــــاية

الأحد، 18 يوليو 2010

زوجة صدبقي ... وأنا !



الشخصيات
روميو : أحد أصدقائي
جولييت : زوجة روميو
أنا : صاحب روميو
سالم : القهوجي

كثيراً ما أرغب في لقاء صديقي روميو ولكنه باستمرار خارج نطاق التغطية ، حيث أن جولييت تقوم بتشويش متعمد لكل من يحاول العثور عليه أو الإقتراب منه
في حقيقة الأمر هو أمثل زوج شاهدته - من زود المثالية - لم يحكي لي عن واقع حياته الزوجية بشكل مفصّل ولا حتى موجز ، ولكن كما يقال الكتاب من عنوانه
تزوج روميو قبل 10 سنوات وهو أب لطفلين
صديقي روميو عندما تتصل به زوجته يحادثها همساً بل أنني أنظر اليه وهو يكاد يذوب في المكان حباً وشوقاً ورومانسية ، يحادثها عدة دقائق لا تقل عن الـ عشرة وهو للتو خارج من المنزل
في ايش يتكلمون ( أي دونت نو )
عندما أتصل بروميو في أغلب الأوقات أجده في أحد الأسواق أو الملاهي أو المنتزهات أو المطاعم أو الفنادق
مع زوجته وابنيه ( وليم وهاري )
حتى أنني تنازلت عن رغبتي في لقائه طواعية ، وطلبت منه أن يهاتفني هو عند رغبته في لقائي بحكم انشغاله الدائم مع العائلة الرومانسية
24/24 ساعة
ما شاء الله لا قوة إلاً بالله ..
ما يزعجني حقاً ، هو أنني عندما التقي به بعد غياب طويل يمتد لعدة أسابيع
وبالرغم من شوقي الكبير له والذي يفوق في بعض الأوقات اشتياق جولييت له
إذا به يأتى إلى المقهى الذي نلتقي فيه حاملاً معه جهاز اللاب توب ويبدأ بعد السلام والسؤال عن الأحوال بتصفح النت ويتحدث معي بطريقة " كلمة ورد غطاها " على اعتبار أنني أشغله عن التصفح ومتابعة أخر رسائل الوارد في بريده الإلكتروني والتي تصل إلى مئات الرسائل
في إحدى المرات غضبت منه وطلبت منه عدم إحضار هذا الجهاز اللعين لأنني أرغب في الحديث معه
فما كان منه إلاً أن اعتدل في جلسته بعد أن كان متكئاً .. وفتح الثلاثة الأزارير العلوية من ثوبه
وأنزل شماغه ووضعه جانباً ثم أمسك بالعقال ، ثم هممت بالهروب ظناً مني بأن الرجل يريد تمغيطي كردة فعل على انفعالي معه
ثم أمسك بيدي ووضع العقال جانباً وقال :
لا تخف يا أخ العرب ، فأنا لا أضمر لك شراً ، اطمئن ولا عليك ما فعلت كل ما رأيت إلا رغبة مني في الحديث معك بلا قيود ، فمثلك لا يجهل واقعي
أتفهّم رغبتك في الحديث معي ولكن هذه هي فرصتي الوحيدة لمتابعة إيميلي
قلت له ولكن بهدوء هذه المرة ، خوفاً من التمغيط ، ولما لا تتابعه في المنزل
هل إلى هذا الحد طغت عليك الرومانسية؟
إلى هذه الدرجة وعيناك مسبّلة في جولييت ؟
إلى هذا الحد سلبتك الإرادة حتى في التصفح ، لا تريد شيئاً يشغلك عنها !
يا بختك يا شيخ ، اعتبرني من هذه اللحظة سكرتيرتك الشخصي ، واعطني كلمة المرور لإيميلك ولسوف اتابعه نيابة عنك وأزودك بأهم ما فيه عبر رسائل قصيرة sms وإن تطلّب الأمر عبر الوسائط mms
ثم قهقهه روميو قهقهة مجلجلة حتى بانت لوزتاه وانفرط معها الإزرار الرابع من الثوب ، حتى بانت لطعة الإيدام في منتصف فلينته العلاقي !

اعتدل في جلسته ثم قال :
ليست حياتي كما تتخيل فأنا لست قيس وزوجتي ليست ليلى
قلت له لطعة الإيدام في فلينتك دليل إدانتك ، فأنا أتخيلك تنظر إليها على سفرة الغداء ممسكاً قطعة الخبز الممتلئة بإيدام البطاطس تريد أن تدفعها إلى فمك ثم تتوقف قليلاً متأملاً روعة جولييت وتتساقط قطرات الإيدام على ملابسك دون أن تشعر كما فعل قيس عندما فغر وهو يتأمل ليلي وهي ممسكه اللحم فقطع يده بالسكين !
قال : ليس الحال كما تظن يا صديقي فأنا بكل بساطة عندي زوجة لا تفارقني بجسدها لحظة واحدة في المنزل ، عند التلفاز ، عند الكمبيوتر ، عندما أقوم بأي عمل أخر
فهي كاللصقة تماماً تلازمني في كل مكان .
قلت : جميل فأنتما كزوج الكناري ، ولما يغضبك ذلك ألستما طوال الوقت متلازمين خارج المنزل
لما الغضب إذاً في داخله ؟
قال : لأني أريد أن أخلو بنفسي لبعض الوقت ، لا أريد أن يراقبني أحد ، حتى عندما أتصفح النت ، تراقبني وتقرأ كل شيء معي وأنا لا أحب ذلك
قلت : لعلك تتابع قروبات " نص كم " ولا تريدها أن تعرف ؟
قال : احكم بنفسك هذا بريدي تأمل عناوين الرسائل ، رسائلي أغلبها منك انت ، وبعضها من اخوتي وأصدقائي وبعضها يتعلق بالعمل ، ولكن لأ أرغب في أن يراقبني أحداً عندما أتصفح رسائلي .
قلت : لماذا لا تخبرها بذلك وتفهمها أنك تتضايق من متابعتها الدائمة لك في المنزل ؟
قال : أخشى أن تغضب .
قلت : إذاً لمّح لها .
قال : لا استطيع .
قلت : كل تــــراب وانكتم ، وتحمّل ما يجيك .
أمسك بعقاله مجدداً فهممت بالهروب ثانية ، فاطمأنيت وفضّلت البقاء عندما رأيته يلفّه بين يديه كالدركسون ، فعلمت حينها أنه بدأ يوسوس كمجنون بني عامر ثم شهق شهقه حتى ظننته سيخر مغشياً عليه .

هذا ما كان من خبر صاحبي ، وأما ما كان من خبر جولييت فإنه لم تمضي دقيقة على شهقة محبوبها حتى بادرته باتصالها ، فتناول جواله مبتسماً وتمدد في جلسته وتنهد تنهيده سمعها القهوجي سالم ، وأطلق للسانه العنان في الهمس وليده في اللمس ، ثم صرخت في وجهه ، هييييييييه ... شيل إيدك من على فخذي واحترم نفسك احنا في مقهى محترم ، خلك شاهد يا سالم - كاد أن يقع ببراد الشاهي من هول ما رأى - ثم أكملت حديثي له هيّا قوم وروح لها ، قبل لا تشتكيني زوجتك لهيئة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية
خذ حسابك يا سالم ، ثم غادرت المقهى غاضباً لا ألوي على شيء ... .
=========
أسئلة القطعة :
س1 : لماذا تصرّ جولييت على مراقبة روميو في كل أفعاله وحركاته وسكناته داخل المنزل ؟
س2 : كيف يمكن لروميو أن يفلت من كاميرات ساهر داخل المنزل ؟
س3 : متى تعرف جولييت بأن لروميو كامل الحق بأن يختلي بنفسه لبعض الوقت داخل المنزل بعيداً عن فلاشاتها ؟
س4 : اختر الإجابة الصحيحة من بين الأقواس :
روميو ( اخطأ ، أصاب ، ثور ) لأنه أعطى جولييت وجه .

الخميس، 1 يوليو 2010

زيارة مسؤول كبير !

جميل جداً أن نحتفي بالضيوف ونسعد بزيارتهم
نقوم بتجهيز المكان اللائق لاستقبالهم والحرص على تنسيقه ، وترتيبه ، و تبخيره ، والإعتناء به قبل مجيئهم .
وليس من اللائق هنا أن تكون الزيارة مفاجئة فـ للزيارة أدابها وينبغي على الجميع عدم تجاوزها !
ولكن عندما تكون الزيارة من صميم العمل ، وفي مكان العمل هل يحتاج صاحبها لموعد مُسبق ؟
يتحجّج المدافعون عن الزيارات المعلنة سلفاً للمسؤولين الكبار لبعض القطاعات الحكومية وخصوصاً القطاع الخدماتي منها ، بأن من واجبنا استقبال الضيف - المسؤول - بما يليق بمكانته !
ولهم أقول :
عندما تكون زيارة المسؤول لمنزلك إفعل ما شئت ولا حرج !
وفي الحقيقة عندما يفعل أمثال هؤلاء المُزارون إلى استباق الزيارة بحملة متكاملة لإعادة ترميم وستر عيوب ما يمكن أن تقع عليه عين المسؤول ، فهذا ورب الكعبة لهو من التدليس والكذب والخداع وتضييع للأمانة !
أيضاً يؤيد مثل هذه الزيارات المُعلنة بعض البسطاء من الناس ، ولهم بعض العذر أحياناً فحجّتهم في ذلك ، لعلنا نستفيد من بركات هذا المسؤول في سفلتة طريق
منسي ، أو إنارة شارع مظلم ، أو تشجير رصيف مُهمل !
بينما يرى المعارضون لإعلان الزيارة ، أنّ مثل هذه الزيارات ليست سوى للتلميع فقط !
تلميع للضيف وصنفرة للمضيف !
وإلاّ ما معنى أن يحضر مع هذا الضيف الكبير جيش من المصورين والصحفيين ؟
لماذا تُجّيش كامل إمكانيات ذلك القطاع وتُصرف لساعة من الزمن هي عُمر الزيارة كل تلك الأموال الطائلة بينما تُقفل الخزنة بعد انتهاء الزيارة في وجه من كان من المفترض أن تكون الزيارة لأجلهم !
متى تختفي من حياتنا الزيارات المعلنة للمسؤولين ؟
لماذا يصرّ المُزارون على مكيجة كل ما تقع عليه عين المسؤول ؟
لماذا لا يجعلون المسؤول يرى الإمكانات على حقيقتها ؟
متناسين أولئك الجهلة أن المسؤول بتلك الزيارة أقنع نفسه بأنه أدّى الأمانة
بينما تتحول الأمانة بفعل تلك المكيجة من رقبة المسؤول الزائر إلى رقبة المسؤول المُزار !
جميل جداً أن نحتفي بالضيوف ونسعد بزيارتهم

نقوم بتجهيز المكان والحرص على تنسيقه وترتيبه و تبخيره والإعتناء به قبل موعد وصولهم

وليس من اللائق هنا أن تكون الزيارة مفاجئة فـ للزيارة أدابها وينبغي على الجميع عدم تجاوزها !

ولكن عندما تكون الزيارة من صميم العمل وفي مكان العمل هل يحتاج صاحبها لموعد مسبق ؟

يتحجّج المدافعون عن الزيارات المعلنة سلفاً للمسؤولين الكبار لبعض القطاعات الحكومية وخصوصاً القطاع الخدماتي ، بأن من واجبنا استقبال الضيف - المسؤول - بما يليق بمكانته ؟

ولهم أقول عندما تكون زيارة المسؤول لمنزلك إفعل ما شئت ولا حرج !

وفي الحقيقة عندما يفعل أمثال هؤلاء المزارون إلى استباق الزيارة بحملة متكاملة لإعادة ترميم وستر عيوب ما يمكن أن تقع عليه عين المسؤول ، فهذا ورب الكعبة لهو من التدليس والكذب والخداع وتضييع للأمانة !أيضاً يؤيد مثل هذه الزيارات المعلنة بعض البسطاء والعامة من الناس ، ولهم بعض العذر أحياناً فحجتهم في ذلك ، لعلنا نستفيد من بركات المسؤول في سفلتة طريق منسي أو انارة شارع مظلم أو تشجير رصيف مهمل !بينما يرى المعارضون أن مثل هذه الزيارات ليست سوى للتلميع فقط تلميع للضيف وصنفرة للمضيف !وإلاّ ما معنى أن يحضر مع هذا الضيف الكبير جيش من المصورين والصحفيين ؟لماذا تُجّيش كامل إمكانيات ذلك القطاع وتُصرف لساعة من الزمن هي عمر الزيارة كل تلك الأموال الطائلة بينما تقفل الخزنة بعد انتهاء الزيارة في وجه من كان من المفترض أن تكون الزيارة لأجلهم !متى تختفي من حياتنا الزيارات المعلنة للمسؤولين ؟لماذا يصرّ المزارون على " مكيجة " كل ما تقع عليه عين المسؤول ؟لماذا لا يجعلون المسؤول يرى الإمكانات على حقيقتها ؟متناسين أولئك الجهلة أن المسؤول بتلك الزيارة " أقنع نفسه " بأنه أدى الأمانة ، بينما تتحول الأمانة بفعل تلك المكيجة من رقبة المسؤول الزائر إلى رقبة المسؤول المزار !

الأربعاء، 23 يونيو 2010

النهاية ... تبدأ من هنا !


لا زال اسمه يتصدّر قائمة الأسماء في جوالي
له نغمة خاصة تميزه عن الآخرين ، لم أعبث بها ولم أجرؤ على تغييرها حتى بعد رحيله
ذلكم هو صديقي الذي فارق الحياة منذ ما يقارب الست سنوات !
لا زالت صورة بطاقته الشخصية تتوسط أوراقي الخاصة
ألجأ إليها بين الحين والأخر
أتحسّس من خلالها وجهه
لعلّي أشعر بأنفاسه .. أو قد يراني فتتبسّم شفاهه
نعم .. فراقه مؤلم ، ولكن ذكراه أشد إيلاماً
نعم .. غاب عن المكان ، لكنه دائم الحضور في كل زمان
تصيبني للحظات فكرة ، هي أقرب للجنون
( محاولة الاتصال برقمه )
ولكن كيف لمن مات أن يجيب ؟
كيف لمن رحل أن يرد ؟
لا زال لصوته ذلك الصدى الموجع في قلبي
لا زال لضحكاته ذلك الرنين الموقظ لذاكرتي
ملامحه لم تغب يوماً عن مُخيّلتي
ابتسامته الخجولة .. حديثه الهاديء ... مشيته الواثقة
لم يغب حضوره عن وجداني قط
لقاءاتنا المستمرة ... صحبتنا الدائمة ... سَفْرتنا اليتيمة
وصولاً إلى لقاءنا الأخير قبل وفاته بأقل من أسبوع
لن أنسى ذلك الصوت المنكسر عندما ناداني وأنا أبحث عنه في المشفى
لن أنسى تلك الصُفرة التي اعتلت ملامح وجهه الشاحب
ولا ذلك الجسد المُثخن بالألم وهو يتمدد فوق السرير...
ولا طنطنة تلك الأجهزة التي تحيط به من كل جانب
كيف لي أن أنسى ..
ومصافحته الأخيرة لا زال لها إحساس يسير في سائر جسدي
كيف لي أنسى ..
وتشابك أيدينا في تلك اللحظة كان يُنذرنا
بالفراق !
قمة الألم .. أن تجد نفسك عاجزاً عن تقديم المساعدة لمن تحب
ولكنه الأجل ... القدر .. إرادة الله التي لا مفرّ منها
فلقد جاءني صوت أخيه كالصاعقة... عندما هاتفني منتصف الليل
لا لينعي شقيقه ... بل ليعزّيني في مصابي !
رحمك الله يا صديقي الفقيد
ليكن لقاءنا في جنان الخُلد إن شاء الله
=============
في زمان قلّ فيه الوفاء بين الناس
في زمان نتعايش فيه مع الكثير ممن نحب
نتحدث معهم ، نسمعهم ، نراهم ، ثم يرحلون عن عالمنا
نبكي عليهم قليلاً ، ونتمنى لو عاشوا بيننا أطول زمن ممكن ، لنعتذر لهم ، لنخلص لهم ، لنزورهم ، لنقبّلهم ، لنحضنهم ، لنستمتع معهم بالحياة .
متى نسمو بمشاعرنا ؟
لماذا الجمود بالأحاسيس ... ؟
لماذا الجفاء في التعامل ... ؟
متى نتغير لنسعد من هم حولنا على الأرض ... قبل أن نحملهم على أكتافنا ونضعهم بأيدينا تحت نفس الأرض
التي عجزنا عن الوفاء فوقها !؟

الجمعة، 28 مايو 2010

أوراق مبعثرة !

الورقة الرابعة :
في ميزانية تعدل ربع ميزانية الدولة يظل تعليمنا دون الطموح ، بل لا يزال يحتل مراتب متدنية على مستوى العالم ولا زال يسير إلى الوراء .. لن أتحدث عن المناهج التي يتم ترقيعها كل عام ، ولا عن مخرجات التعليم العالي التي لا تتواءم مع سوق العمل ، ولا عن حقوق المعلمين وكرامتهم المهدرة ، ولن أتحدث عن المباني الأيلة للسقوط في بعض أحياء المدن الكبرى ، بل سأضع خطاً باللون الأحمر تحت مبني مدرسي حكومي يتم تشغيله حديثاً بعد مد وجزر مع المقاول ، يفترض أن يكون نموذجياً
فشلت أدوات السباكة فيه من الصمود مع أول اسبوع من تشغيله !

الورقة الثانية :
تسير بسيارتك في أمان الله ، في طريق تعرفه جيداً بل أنك تحفظ مناطق الخشونة والنعومة في بعض أجزائه ، تفاجأ في جزء من الثانية بأنك تقع في كمين حفرة عميقة لا ترحم ، لا تملك معها سوى ترديد الحوقلة ، ثم تغيّر اتجاه سيرك لأقرب ورشة !

الورقة الأولى :
تذهب بابنك الصغير إلى المستشفى الحكومي ، لتفاجأ بطابور لا تعرف نهايته حتى تقف لتنتظر دورك
فتمل الإنتظار لتذهب إلى مستشفى خاص فأنت في سباق مع الزمن كي تطمئن على فلذة كبدك
تقف في الإستقبال لتفاجأ بأنك الوحيد الذي يمد يده باستحياء إلى محفظة النقود ، بينما كل من حولك هم من المقيمين في البلد ممن يحملون بطاقات التأمين !

الورقة الخامسة :
في درجة حرارة تقارب الخمسين ، تعود من عملك وقد ابتلت ملابسك من شدة الحرارة ، تحمل فوطتك وتذهب إلى دورة المياة مهرولاً على أنغام
" الميه تروي العطشان "
لتفاجأ بصنابير المياة تعطيك قطرات قليلة تقديراً لطلبك ثم تتوقف تماماً لتعلن لك
" نأسف عن خدمتك " فموعدنا الأن عند كبار الشخصيات !

الورقة الثالثة :
سياسة الأبواب المفتوحة مصطلح نسمع به كثيراً ، ولكن كم من الأبواب المغلقة تفصلنا عن الباب المفتوح ؟!

الورقة الأخيرة :
عندما يقف بي حظي العاثر ومئات السيارات في طريق موكب " أحد كبار الشخصيات "من تظننا تلك الشخصية عندما نتوقف لنصف ساعة حتى مرورها !

الخميس، 4 مارس 2010

قد يطول الغياب !


لكل من تنازل عن بعض وقته لقراءة بعض سقطاتي وإسقاطاتي

لكل من تواضع وأرسل يستفسر عن سبب غيابي وتغييب جديدي !

لكل من طوّقني بعقود الثناء وقلّدني أوسمة الوفاء

أعتذر

أعتذر

أعتذر

ففي القلب غصة

وقد يطول الغياب !