السبت، 4 سبتمبر 2010

مُذكّرات طالب في الصف الأول " ب "



قبل بزوغ الفجر ، وقبل أن يرتحل الليل
تتقاطع كل ليلة في ذات المكان ، مع تغيّر الزمان ، خيوطٌ بيضاء مُستبدة
بخيوطٍ سوداء حالمة، لتقبع الأخيرة في أسر دائرة الضوء إلى حين !
هاهو الليل يُغادر خجلاً بعد أن كشف الخيط الأبيض أستاره
هاهو القمر يرحل حزيناً ، بعد أن حكى للعشاق علنه وأسراره
صياح الديك يتردّد صداه في الأرجاء ، يتداخل معه صوت المؤذن
الله أكبر ... الله أكبر
يتجدّد للعصافير لحنها الشجيّ ، تستيقظ الزهور وتنبعث منها رائحة الحياة
نستيقظ أُمّنا لتُشعل الأنوار ولا نور يفوق نور وجهها المُضيء ، تلتحف شرشفها وقطرات ماء الوضوء تتساقط من وجهها الطاهر
هيّا يا عيالي قوموا للصلاة .. قوموا الله يهديكم
دقائق معدودة نقضيها في التحوّل من جنبٍ إلى أخر ، يتم فيها استخدام الرُكب عند الضرورة
حيث أنّنا ثلاثة إخوة بأجساد بالغة النُحف ، ننام على طراحتين وتُغطينا بطانية واحدة
نستيقظ على رائحة الحليب المغلي استعداداً للذهاب للمدرسة
نجلس على سفرة الإفطار بوجوه مكتئبة ، وعيون ناعسة ، وأفواه متثائبة
والسعيد فينا من لديه حصة رياضة في ذلك اليوم ، تجده يحرص على ارتداء فانيلة حمراء وبنطلون أخضر وشُرّاب تفوح منه روائح لا زلت أحنُّ لاستنشاقها !
نحمل شِناطنا مُتّجهين بكامل إرادتنا ما يُشبه اليوم معتقل جوانتانامو !
نمشي بخطواتٍ متثاقلة ، نركلُ كُلّ ما يقع أمام أقدامنا من حجارة وعُلب فارغة في رحلة المسير
والفائز هو من يثسجّل كوبري في الأخر !
نصل المدرسة على صوت وإيقاعات أبو بكر سالم يا بلادي واصلي ، تلك الأغنية الوطنية التي تبثها إذاعة المدرسة يومياً ، حتى كرهناها لارتباطها الشرطي بالمدرسة !
هاهو الجرس يُقرع وكأنه يقرعنا في رؤوسنا القرعى !
الكل يركض مُسابقاً ، للوقوف أولاً في طابور الصباح ، باستثناء بعض الكسالى الذين يتوارون في نهاية الصفوف !
واحد اثنين ثلاثة أربع ... مقطوعة يومية لتمارين الصباح
يتخلّّلها بعض التكفيخ من بعض الجبابرة من المعلمين أثناء سيرهم بين الصفوف تحت بند
" اعدل نفسك ، حرّك يدّينك ، خُذ مسافة "
الحصة الأولى على وشك البدء والصراع على أشُدّه للحصول على شرف مسح السّبورة
غبار الطباشير يتناثر في المكان وعلامات استفهام قلقة تتناثر في الأركان
الجميع يسأل الجميع :
حلّيت الواجب ؟ حفظت جدول الضرب ؟
وقبل أن يُكمل الكسالى تعدادهم ، تطرُق باب الصف خيزرانة مُزيّنة باللونين الأخضر والأبيض تم تنسيقها بعناية فائقة ، يحملها معلم الحساب الذي يُحيّينا بعد تحية الإسلام بــالعبارة الشهيرة
الّلي ما حلّ الواجب يوقف
نقف أغلبنا في يومٍ ليس بيوم عرفة ، ليست بلادة ولا إهمال ، ولكنّنا جميعاً أبناء لوالدين يحملان درجة الأمية مع مرتبة الشرف
من يشرح لنا ، من يتابعنا ، من يساعدنا في دروسنا ؟
جميع ما سلف لا يشفع لنا لديهم ، بل أنّ عبارة أولياء أمورنا الخالدة

" اللحم لكم والعظم لنا "
بمثابة إقرار يمنح أولئك الجبابرة كامل الحق في سلخ جلودنا ، وشلوطة رؤوسنا !
لن ينسى أخي الأكبر طيلة ما بقي له قلب ينبض بالحياة ، ذلك المدرس الفلسطيني الذي قام برفعه وهو في الصف الأول ليمسح به السبورة !
ولن ينسى صديقي العزيز طيلة ما بقي له لسان يلهج بالدعاء ، وكيل المدرسة عندما قام بجلده – فلكة – أمام جميع الطلاب وهو في الصف الأول أيضاً ؟
تنقسم الحصة في تلك المرحلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم التفتيش والتحقير ، فسم التعذيب ، قسم الشرح
انتهت الحصة الأولى وليست الثانية بأفضل منها
نفس السيناريو ونفس الحوار يتكرّر ، ولكن يختلف المُخرج ، باختلاف أساليب التعذيب آنذاك !
فُسحة ... فُسحة
عبارة الكل يعشقها ما أن يرّن جرس الفسحة حتى تجدنا نتسابق في الممرات ، في تلك اللحظة فقط

يمكنك مشاهدة شفاه باسمة !
لما لا ؟ والفسحة لنا بمثابة استراحة قصيرة ننسى خلالها بعض آلامنا ، نُرمّم خلالها بعض ما تهدّم من شخصياتنا !
نتجمّع في أركان الفناء لتناول ما يُمكنه أن يُخرس أصوات أمعاؤنا الفارغة
رُبع حبة تميس ، مدهونة بالميسور إن وُجد !
بعدها نُكمل اللهو والمطاردات ، قبل أن يتجدّد لنا مع العذاب موعد أخر !
الحصة الأخيرة تكاد تكون بمثابة الإنعاش الحقيقي لمداواة بعض جراحنا ، فمعها نُفكّر في القادم على كُبر أوجاع ما مضى
نُشغلها في التفكير ، والخيال ، والأحلام
نُفكّر في وجبة الغداء
نتخيّل تجمّع الرفاق فترة العصر للحديث عن أخر مغامرات السندباد !
نحلم بنهاية جميلة ليوم دراسي كئيب !
وبعد طول انتظار تُُدوّي في الأرجاء أجمل نغمة للجرس ذلك اليوم
نغمة الانطلاق لفضاء الحرية
تمتزج معها أصواتنا المبتهجة بنهاية سعيدة ، تتجدد بنهايتها بداياتنا الحزينة !

هناك 7 تعليقات:

القادم أجمل يقول...

ربع حبة تميس!! شكلك من عصر الكتاتيب :)

على صعوبة ذيك الايام وكم خوفنا وهلعنا من اشياء نشوفها الان بسيطه وما تستاهل..

لكن سقى الله ذيك الايام.. على جفاسة معلميننا وشدتهم لكن الغالبيه ممن واصل تعليمه طلعنا شخصيات قويه نعرف الاحترام والتقدير وتعليمنا افضل من الان.. كنا نرجع من المدرسه واحنا حافضين ما نحتاج نذاكر انا زيك ( والدي اميين ) لكن الشده والضرب اللي بنلاقيه اليوم الثاني كان مخلي قلبي حي.. اتذكر كنت ابكي لين احل الواجبات كلها ههههههههههههه

جيل الان لا يهاب لا معلم ولا مدير من صغرهم.. وتعليمهم اي كلام الله يعين

ابو مشاري يقول...

حرام عليك يا القادم أجمل
أيام الكتاتيب ما كان عندهم تميس :)
بالفعل مثل ما ذكرت التعليم زمان مخرجاته أفضل من الأن
هالجيل جيل الدلع الله يعين عليه
أسعدني مرورك

غير معرف يقول...

سؤال ماله دخل بالنص " هي الساحات محجوبة واذا عندك رابط لها ارسله "

ابو مشاري يقول...

أهلا فيك أخي الكريم
الساحات محجوبة بالفعل
ضع ايميلك وسيتم ارسال رابط الموقع

كلي أمل يقول...

المدرسة
وأي المكان ذلك ؟؟
مصدر فرحنا الآن وصور من العشق الذي يحتوينا...
لوحة رسمت بين هاتيك الربوع مثلما وصفت
عند النهوض ف الصباح والتناول الفطور والذهاب بعيون يغشاها النعاس..
أدركت الآن أن زمنكم هو نفس زمننا الآن ..إلا أننا نختلف في الخوف من المدرس مثلما قلت فعلا لا شيء من هذا القبيل ...

المدرسة جزء من الحياة وسوف تزال في قلوبنا وصورة من صور العشيق لمعشوقته مثلما أصورها أنا ..فلكم كنت أعشقها ..

سعدت فعلا بطرحك هذا ولكمم وددت في يوم من الأيام أن أكتب مثل ذائقتك
دمت للتميز عنوان ..

ها أنا أنتظر جديدك ..
وفي كل إشراقة لقلمك ستجدني أنا وقلمي نجددالإشراق معك
لك مني أرق التحايا..

ابو مشاري يقول...

كلي أمل
من مرّ بتلك المرحلة
وعاش ذاك الزمان
لا شك سيعود به موضوعي لذلك الزمن الجميل المؤلم !
اقرأي إن شئتي هذا الموضوع على جيل التسعينات الهجرية وبدايات العقد الذي أعقبها!
عندها شاهدي ردة الفعل
واخبريني إن شئتي .
شكراً لك

غير معرف يقول...

msn-syar@msn.com
تسلم يابو مشاري هذا الايميل