الأربعاء، 18 أغسطس 2010

أحــــلام ... عانـــس !



أحلام فتاة كأي فتاة عاشت حياتها في بيئة محافظة أنهت تعليمها العام ثم الجامعي

لتقف في صف طويل من المتقدمات لسلك العاطلات

مضت السنون وهاهي الآن على أولى عتبات الثلاثين من العمر !

كانت كمثيلاتها من الجامعيات تنتظر فرج الوظيفة ليكون لها بمثابة المفتاح السحري لحياة زوجية منتظرة

فوظيفة الزوجة باتت شرطاً وحيداً للراغبين في الزواج !

لما لا وأختيها المتزوجتين حديثاً كانتا بمثابة الدليل الراسخ لصدق تنبؤاتها ، فمع صدور قرار تعيين كل منهما كمُعلمة في إحدى القرى النائية ، كان صراع العرسان على أشُدّه ، الكل يرغب في استثمار الفرصة الذهبية!

أحلام فتاة مثقفة تعلم جيداً من خلال ديون والدها وبطالة أخوتها أنّ الظروف الاقتصادية باتت تُهدّد النسيج الاجتماعي ، وتُبشّر بظهور طبقة اجتماعية تعلو خط الفقر بدرجة ، بعد أن كانت في السابق ما تسمى الطبقة المتوسطة !

تعلم جيداً أنّها على بُعد أشهر قليلة من سِنّ العنوسة وهو سِنّ الثلاثين أو يزيد قليلاً !

كغيرها من نسبة الــ 24 % من العاطلات ، تبدأ أحلام يومها بمتابعة الصحف والمواقع الإلكترونية على رجاء أن تسمع خبر نفيها في إحدى القرى البعيدة !

هاهو الصيف على الأبواب والإستعدادت لحفلات زفاف شباب القرية التي تنتمي إليها على أوجّها

كأي فتاة تطمح للزواج ، تنتقي أحلام أجمل الثياب وتبالغ في زينتها قبل الذهاب لحفلات الأعراس على أمل أن تُلفت نظر إحدى الحاضرات لتقتنصها عروساً لابنها

قبل أن تخرج من منزلها تقف أمام المرآة لوضع اللمسات الأخيرة ، تنظر لنفسها بعيون الحسرة على ما آلت إليه الأحوال في مجتمعنا

فلا الجمال الذي تنعم به ولا السمعة الطيبة التي تتمتع بها كافيتين لكي يطرق بابها فارس أحلام

لم يعُد للشعر الغجرّي مُعجبين ، ولم تعُد للعينين النجلاوتين متيّمين ، ولا للعود الريّان مُغرمين

كل هذه الأشياء باتت من الماضي ، فالجمال الحقيقي في نظر البعض هو المال !

كانت تتردّد على الأعراس ليس عشقاً بالجو الفرائحي ، بل تتوسّل نظرات الأخريات كمن تنشد الستر لنفسها

كانت النظرات تتبعها هي والكثيرات معها ، ولكنّها ليست نظرات المعجبات ، بل نظرات الشامتات ممّن لا همّ لهنّ إلاّ الكلام في الأعراض ، كانت تلاحقها الاتهامات ، وتجري خلفها الشائعات ، وكأنّ نصيبها رهن إشارتها !

انتهى الصيف وتوقّفت معه الأفراح والتي لم تجني من ورائها سوى الأحزان ، ليس اعتراضاً على القدر ، فهي تؤمن بفطرتها وتديّنها أن نصيبها بيد الله عز وجل

ولكنّها نظرات العطف والشفقة والازدراء التي لا ترحم ، وشائعات النسوة وغيبتهنّ - هي من أصابها في مقتل !

أغلقت على نفسها الأبواب في محاولة للتكيف مع الوحدة التي ربما تكون مصيرها

زواج أو خطبة إحدى قريباتها أو صديقاتها بات من الأخبار الموجعة لأحلام ، ليس حسداً لهنّ ، ولكنّها مناسبات تُجدّد جراحها بعد أن تكون قريبة من نسيان آلامها !

مرت السنون وهاهي أحلام في منتصف الثلاثينات وقطار العنوسة يسير بلا توقف

باستثناء بعض المحطات التي تُحيي الأمل بداخلها ثم سُرعان ما تصعد القطار من جديد

لم تُعد أحلام ترغب في الوظيفة ، ولم يعُد طموحها الزواج ، بل كانت غريزة الأمومة تؤرّق مضجعها ، فعشقها لأطفال أخوتها لا يوازيه عشق ، وكلمة أُم أقصى ما تصبو إليه !

كان صراخ الأطفال يزيدها ألماً على ألم ، ولهوهم يصيبها همّاً على همّ ، وضحكاتهم تزيد دموعها أدمُع

كان لأحلام كبريــــاء صلب ، وعاطفة بلغت حدّ الاكتفاء ، ممّا يجبرها في لحظات الخلوة

أن تجهش في البكاء بعد كل زيارة لأخواتها المتزوجات

هذه تُريها أحدث هدايا زوجها ، وتلك تقرأ لها أخر رسائل الغزل المرسلة من زوجها

كم هي مسكينة أحلام

هاهو التعيين قد جاءها ، وهاهُم العرسان يطرقون الباب

أجهشت أحلام بالبكاء لا تدري أهو شعور الفرح ، أم هو حزن على والدها الذي تُوفي قبل أن يفرح بها

كفكفت دموعها ، ونظرت للمستقبل بشموخ وأنفة ، في انتظار موافقة أخيها على من ارتضته فارس أحلام

ما لبثت أن انهارت بعد علمها رفض أخيها لكل من تقدّم لها ، بداعي أنها مصدر دخلهم الوحيد !

استفاقت أحلام من صدمتها ، وأقسمت على أن تنتقم ولكن مِن مَن ؟

من أخيها العاطل ، الذي قام بعضلها ليستبيح راتبها ؟

أم من الدولة التي لم توفّر فرص عمل برواتب مجزية لأخيها وأسراب العاطلين ؟


هناك تعليقان (2):

كلي أمل يقول...

"أحلام...عانس!"

وبأي الكلمات أود أن أبدأ حديثي
وأي شعور هذا الذي تحملة في داخلك يا أبو مشاري؟!!!
فعلا أي شعور هذا ؟؟!!

صحيح أني فتاه في ربيع عمري ولم أتجاوز الثامنة عشرة
لكن على ما أعتقد أن في دولتي دولة الإمارات ليس بالكثير من العوانس
لكن مرآاهم تهز وجداني

كيف لي أن أشكرك على هذه الذائقة
التي حركت في داخلي المشاعر
وفتحت لي أبواب من التفكير
فأنا ممن كنت أوقن أن مستقبلي أهم من كل شيء

ها أنا أنتظر جديدك
مع كل إشراقه لحروفك
ستجدني أنا وقلمي نجدد اللقاء معك
لك مني أرق التحايا

ابو مشاري يقول...

تقولين
"أي شعور هذا الذي تحملة في داخلك يا أبو مشاري؟!!!
فعلا أي شعور هذا ؟؟!!"
استوقفتني هذه العبارة كثيراً
اسمحي لي أن أصمت قسراً ، فبعض الكلمــات أجد نفسي عاجزاً عن التحليق في عالمها !
من القلب شكراً
ويكفيني المشاعر التي حركتها حروفي بداخلك ، واستوقفتك بالتالي في التفكير في قادم الأيام