الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

سِرّي ... وليس للنشر!


من إحدى قمم قرى جنوب الطائف –دلوعة الغيم–
والتي أجاد في وصفها الشاعر عندما قال :
لا هان من سمّاك دلوعة الغيم
قصة عشق مابين أرض وسحابة
وعلى ارتفاع يقارب الـــــ 2500 م عن سطح البحر جلست على شفا أحد مرتفعات جبال السراة ، كان الوقت ظهراً
وخيوط الشمس تتسلل من بين فجوات الغيوم الحالمة ، بينما الضباب يتسرب من بين ثنايا الجبال الشاهقة!
كان للسحب موعد في ذلك المكان، تدفعها الرياح من جانب، بينما الأشواق تدفعها من الجانب الأخر .
كنت أنظر للروابي الخضراء على جنبات الوادي وهي تلثم الضباب!
دقائق مضت ارتدت السماء خلالها رداءها الأبيض ، ما لبثت أن عانقتها سحابة رمادية قادمة من الشرق
رسمت على الأرض أجمل معاني العشق ، لتجسّد على الواقع أجمل أبيات
البدر
عشقـٍ جمع مـا بيـن قـ'ـَاع وغيمـة ... سيّلـ على صدر الثري دم'ـَع الآمـزانـ
مع تلك الأجواء الماطرة ، والمناظر الخلابة ، بادلت الأرض السماء العشق بالعشق، واكتست هي الأخرى الرداء الأبيض بعد أن احتضنت على صدرها حبات البرد!
كان المنظر أكبر من قدرتي على التأمل ، غبت عن الوعي حتى إشعار أخر ، وسرحت بخيالي إلى حيث لا أدري ، إنها أحلام اليقظة تأتيني في مثل هذه الأجواء الساحرة !
خلت نفسي أسير في إحدى شوارع العاصمة الرياض ، وسياط الشمس تجلدني من كل جانب ، فإذا بي صدفة وأثناء توقفي عند إحدى الإشارات الضوئية بمعالي رئيس مجلس الشورى يقف بجواري ، نظر إلي بابتسامة وحيّاني بيده ثم أنزل زجاج سيارته الأمامي لينبّهني إلى كفر سيارتي الأيمن الذي تمكّن منه النعاس !
شكرته على اهتمامه بشؤون المواطنين ، ثم طلبت منه مساعدتي لعدم وجود عفريته لديّ
أبدى موافقته ثم أردف مازحاً : انتم يا المواطنين
عفاريت !
أمر سائقه الشخصي أن يتكفل بشأن سيارتي ، ثم طلب مني الصعود إلى سيارته لحين انتهاء السائق من مهمته
بادرني بالقول : أنا قد شفتك قبل اليوم ، بس ما أدري فين ؟
أجبته على الفور : والله يا معالي الرئيس أنا اللي كل يوم اشوفك بالجرايد والتلفزيون ، لكن أنت ما ظنيت انك شفتني .
تبسّم كعادته ثم قال : انت تكتب في المنتديات، صح ؟
في تلك اللحظة ، بلغ مني الغرور مبلغه لإحساسي أنني أصبحت ضمن المشاهير ثم أجبته :

أطقطق على خفيف طال عمرك ، إلاً صدق كيف عرفت الله يحفظك ؟
قال : من اسمك المستعار على طبلون السيارة

كان يعلو الطبلون ملف أخضر علاقي مائل للصفرة بفعل حرارة الشمس
ضحكت كثيراً حتى بدت نواجذي ، ثم ربتُّ بيدي على كتفه قائلاً : الله يقطع سواليفكم في المجلس يا معالي الرئيس ، حتى هذي ما فاتت عليكم ؟
فعلاً المجلس ما يترك لا شاردة ولا واردة إلاً ويدري عنها .
بادلني الضحكات ثم أخرج من كيس بجواره علبة بيبسي بريال ونصف

– يبدو أنه كان يخطط لشربها على وجبة الغداء – وقال : اشرب يا ملف وبرّد على قلبك ، ترى مواضيعكم في المنتديات ما تخفى علينا ، عندنا لجان خاصة لدراستها ، مهمتها إيجاد الحلول العاجلة لمشاكل المواطنين !
نظرت إليه بتعجب ثم تجشأت تحت تأثير المشروب الغازي قائلاً : معقووووووولة!
أخذ طرف الشماغ ووضعه على أنفة ، ثم قال بصوت هادئ : نعم يا ملف كل شيء نعرفه بالمجلس
تصدق حتى حملاتكم بالمنتديات نأخذها بعين الاعتبار ، ثم مدّ يده إلى كيس يقبع في المقعدة الخلفية
ليريني بيجامة خضراء بشعار الوطن كانت بداخله ، ثم قال : هذه البيجامة يا ملف تجاوباً مني مع حملتكم الميمونة في المنتدى

" خلووه يلبس " !
اندهشت مما رأيت ، لم أتخيل أن صوتنا مسموعاً إلى هذا الحد!

ثم قلت : طيب وباقي الحملات طال عمرك ؟
حملة " أريد بيتاً لأبنائي قبل مماتي " ،
حملة " خلوها تصدي " ، حملة " أريد وظيفة "
تفاجأ بالسؤال ثم تنحنح قليلاً بعد أن شعر بالإحراج والتفت للسائق يسأله : بدّلت الكفر ؟
كان السائق حينها قد انتهى بالفعل من إنجاز مهمته
شكرته ودعوت له قبل أن أغادر سيارة معاليه ، على وعد قطعته معه بتكملة الحوار في موعد أخر
بعد أن طلب مني إعطاء السائق رقم هاتفي للاتصال بي لاحقاً.
انطلق سائقه بسرعة عالية شمالاً، بينما انعطفت بسيارتي جنوباً، غير مصدق أنني كنت مع معاليه!
وصلت منزلي وتناولت الكبسة - الوجبة الرسمية للمواطنين – ولم أخبر أحداً بخبر لقائي معاليه
بعد أن انتهيت من لعق أصابعي ، رفعت طاسة اللبن البقري إلى الأعلى ثم أملتها إلى فمي بزاوية 60 درجة
وشربت منها حتى عجزت أنفاسي عن التوقف الاضطراري أكثر من ذلك ، ما أن وضعت الطاسة على الأرض حتى انفجر أطفالي من الضحك وهم يشيرون إلى علامة الجودة التي ارتسمت على أطراف أنفي !
حمدت الله على نعمائه، حاولت أن أنهض ، ولكن هيهات !
لبثت في مكاني حتى اكتمال المرحلة الأولى من الهضم ، وتحت إغراء برودة المكيف في ظهاري الرياض الحارقة استسلمت للنوم معتمداً على مسند كان بجواري ، انطلقت بعد ذلك أسراب الذباب الموسمية في مهمة اقتسام الدهن العالق بين أصابعي !
كان شخيري بمثابة موسيقي حماسية لذلك السرب في معركته الحامية ، بدأت معه رحلة أخرى من الأحلام ولكنها في المنام هذه المرة ، وقبل أن أبدأ في بناء قصوري الحالمة ، رنّ جرس هاتفي المحمول فأفزعني وأسراب الذباب .
كان على الطرف الأخر صوت معالية : الأخ ملف ؟
أجبته بصوت ناعس ومتهدج : نعم
تأسف بلباقته المعهودة واعتذر عن إزعاجي ، وطلب لقائي لأمر هام حين استيقاظي
أغلق الهاتف وواصلت والذباب الرحلة من جديد .
استيقظت لصلاة العصر ، ثم ذهبت للقاء معاليه وكان الموعد إحدى المخططات الحديثة
شمال مدينة الرياض
رأيته يحمل بيده متراً لقياس أطوال إحدى القطع للتأكد من أطوالها ، كان يمسك المتر من أحد الأطراف بينما كنت أمسكه أنا من الطرف الأخر !
بعد أن سجلنا المساحات 30×30 سألني عن الموقع إن كان أعجبني أم لا ، أبديت له إعجابي ، ثم قال : اذهب غداً إلى القاضي فلان في كتابة العدل الأولي حتى يتم إفراغ القطعة باسمك ، انطلقنا من المكان بعد أثنيت على تفهّم معاليه لاحتياجي كمواطن ، بدأت بعد ذلك أحاديث المجاملات والتلميع ، حتى توقفنا عند وكالة الجفالي ثم طلب مني اختيار السيارة التي أرغب ، بعد أن ألح عليّ في الطلب ، لم أجد بداً من الموافقة ، ووقع اختياري على الطراز S300

طلب من الموظف تسجيل السيارة باسمي ، والذي بدوره طلب مني إمهاله يوماً واحداً لإنهاء الإجراءات حتى أتمكن من استلامها !
وقبل أن تغيب شمس ذلك النهار أخرج من جيبه الأيمن دفتر شيكات ثم أعطانيه

لكتابه رقم لا يقل بأي حال من الأحوال عن سبعة منازل!
كان إصراره أكبر من محاولات رفضي .
أذّن المؤذن لصلاة المغرب فدخلنا سوياً لأداء الصلاة ، وبعد أن انقضت الصلاة ، وانتهينا من السنة الراتبة
أخذني معاليه إلى ركن قصي في المسجد ، ثم قال :
اعلم يا رعاك الله أن الدنيا دار بلاء ،
وأن الآخرة دار جزاء
وأن المال يميل بقلب صاحبه ، وأن المال فتنة وقد أخبر بذلك النبي-صلى الله عليه وسلم-فيما صح عنه
"إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال"
ها أنا قد اختبرتك بحنكتي ودهائي وأعطيتك من المال ما يفوق أحلامك ، ما جعلك تنسى الأمر الذي طلبت لقائي من أجله !
كنت تريد نقاشي حول تلك الحملات التي يطلقها المواطنون بين الحين والأخر ، ولكنك فتنت بالمال وتناسيت مهمتك الرئيسية !
لما اللوم يا ملف على أعضاء المجلس ؟
إتهم على نفس النهج ! يتم تعيينهم وهم أصحاب دخل محدود يحملون العديد من الهموم والأفكار
يتم تحسين أوضاعهم وإغراءهم بالمزايا والبدلات قبل أن يضعوا أقدامهم على عتبات المجلس
كيف تريد من هؤلاء أن يشعروا بالمواطن ؟!
كيف تريد ممن يسكن في فيلا فاخرة ، و بدل سكن يبلغ مائة ألف ريال
أن يشعر بمن يسكن بيوت الصفيح ؟!
كيف تريد ممن يصل راتبه الشهري 23 ألف ريال بخلاف البدلات والمكافآت أن يشعر بموظف على بند الأجور لا يصل راتبه ألفي ريال ؟
كيف تريد ممن يحصل على مبلغ ثلاثمائة ألف ريال لكل دورة من دورات المجلس ، أن يشعر بحاجات العاطلين ؟
كيف تريد ممن يعالج وأفراد عائلته في المستشفى التخصصي للحالات البسيطة أن يشعر بمعاناة المواطنين مع مستشفيات وزارة الصحة ؟
أشفقت عليه ، شعرت بالمرارة والأسى بين طيات حديثه ، وطلبت منه التوقف قائلاً
كفاية طال عمرك
نظر إلىّ بعين الحسرة ، تنهد من الأعماق ، ثم أنشد هذين البيتين:
لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيهـا
لا يسهر الليل إلاّ من به ألـمٌ ... لا تحرق النار إلا رجل واطيها

طال بنا الحديث ولم يقطعه علينا إلاّ المؤذن وهو ينادي لصلاة العشاء
وبعد أن أدينا الصلاة ، غادرت المسجد مصطحباً معاليه إلى سيارته ، وقبل أن أغلق خلفه الباب
قمت بإرجاع الشيك ، وطلبت منه إلغاء مبايعة المرسيدس وقطعة الأرض !
طلب مني إيصالي للمنزل ، ولكن رفضت ، أصررت على ركوب الليموزين ، أردت أن أعود لطبيعتي
أردت أن أعيش حُراً بقلمي ، حُراً بكرامتي
بعد أن عشت لسويعات عبداً للمال ، نسيت خلالها مبادئي التي طالما حاربت من أجلها
اخترت أن أكون حُراً رغم حاجتي ، أحمل همّ الفقراء والمعوزين ، أحمل همّ الموظفين والعاطلين ،
اخترت أن أكون صوتاً مسموعاً يتعدى صداه الأفاق ، لا أن أكون بوقاً كأبواق الفوفوزيلا يصم الأذان !
ودّعت معاليه ، ثم أشرت لسائق ليموزين من الجنسية البنغالية ، وقبل أن اسأله عن ثمن المشوار!
توقفت الأمطار الغزيرة في تلك البقعة من جبال السراة ، بعد أن انقشعت الغيوم الكثيفة أعلاها ، وعاد للسماء صفاءها من جديد ، أحسست بنسائم الهواء التي تعقب المطر تدغدغ أنفاسي ، وأصوات العصافير المنتشية تداعب سمعي ، انتبهت على رائحة الأرض عندما يودعها المطر ، التفت في كل الاتجاهات فإذا بي وحيداً على ربوة عالية ، ضحكت بصوت عال ، وقبل أن استجمع صداها من أرجاء المكان
اهتز هاتفي الجوال على نغمة sms فحواها الأخ ملف مع وافر التحية والتقدير
تم رفع الإيجار بمقدار ألفي ريال ، اعتباراً من السنة الجديدة والتي تبدأ مع شهر رمضان المبارك وكل عام وانتم بخير !

نـــــهــــ حلم ــــــــاية

هناك تعليقان (2):

امل الغامدي يقول...

مقال ذكي !

لمن يفهم ما بين سطوركـ فقط !

أبدعت بهـ ’

وأسأل الله أن يصلح الحآآآآآل !

ابو مشاري يقول...

أخت أمل
المشكلة ليست في ما بين السطور
المشكلة فيمن يقرأ السطور ويتمادى في الفساد !
دمت بود