الخميس، 30 سبتمبر 2010

شيء من الواقع !


نُصاب يومياً بمتاعب نفسية بفعل أعباء الحياة اليومية ، أقلّ ما يُقال عنها أنّها مُسكّنات لحالات انفلات الفرح بداخلنا
إذا ما استثنينا أوقات الصلاة وفعل الطاعات والتي لولاها لدخلنا منافس قوي لجمهورية ليتوانيا في حالات الانتحار على مستوى العالم !
يبدأ يومنا برتابة مملة ، لا يوجد في صباحاتنا ما يغريك لانتظاره ، فالوقت يتوزّع ما بين غُرف الأبناء لإيقاظهم ، والبحث عن عقالك الذي استخدمه طفلك الصغير كمقود سيارة ليلة البارحة !
بينما الزوجة أو الخادمة في أغلب الأحيان هي من تتولى جانب إعداد وجبة الإفطار
إن كان هناك مُتّسع من الوقت لتناولها !
تقف للحظات أمام باب منزلك في محاولة لالتقاط المفتاح المطلوب كي تتمكن من الخروج
ولا تجد من يقف بجوارك من مبدأ المشاركة الوجدانية ، فضلاً عن افتقادك لكلمات توديع لا تخلو من الغزل مصحوبة بابتسامة صادقة تجعلك تنسى بؤسك القادم !
وقبل أن تخرج يتم تذكيرك باصطحاب كيس الزبالة للحاوية المجاورة
لتبدأ يومك برائحة ، أخشى أن تكون من مُدمنيها !
تذهب بعدها مسرعاً لسيارتك وأطفال السيرك يسيرون خلفك ، والسعيد هو من يجد عجلات سيارته بكامل يقظتها ، والبطارية بكامل عافيتها في ذلك الصباح
يُدير أحدُنا محرّك سيارته ، وينطلق بها بعدما أنهى المرحلة الأولى من مشروع الرتابة والملل
لتأتي بعدها مرحلة ضغوط الازدحامات وتعطّل حركة السير ، وما يصاحبها من انفلات عصبي يدعوك للتأفف من كل خططنا الخمسية السابقة !
وبعد أن تُكمل مهمتك في إيصال الأبناء إلى المدارس ، تصل متأخراً في أكثر الأحيان
ولا شيء يغيظك أكثر من توجيهات رئيسك في العمل وحثّه الدائم على التبكير في الدوام
وكأنك من ساكني الملحق العلوي للإدارة التي تعمل بها !
وفي قراءة متأنية لمراحل يومك حتى اللحظة
تكون قد أنهيت المرحلتين الأولى والثانية
والتي بدأتها مع زوجتك برائحة كيس الزبالة وأنهيتها باستقبال من رئيسك تفوح منه نفس الرائحة
تمُرُّ ساعات نهار العمل الرسمي كأطول ما يكون
لتبدأ بعدها مرحلة التوقف المتكرر من مدرسة إلى أخرى في رحلة العودة للمنزل
والرحلة هذه المرة لا تختلف عن سابقتها بل يضاف إليها لهيب الشمس وحرارة الأجواء
وتوقفات إجبارية عند المخبز والسوبرماركت ، بأمر رسالة جوال كُتبت بدم بارد
تصل إلى من منزلك بجسد مُنهك ، يتصبّب عَرَقاً
وأكياس تنوء بحملها يداك ، وأطفال مزعجين طيلة رحلة العودة
تُمنّي النفس بكلمات تُنسيك كل ذلك الجهد النفسي والبدني ، وما أن تفتح الباب تتفاجأ بأنّك بلا مُستقبلين !
تتقدم خطوات ثم يأتيك صوت لا تعرف اتجاهه " جبت العيش " ؟!

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

أيحقُ لنــــا أن نـفـــــرح ؟


هو يومٌ ليس كأي يوم ، هكذا يُفترض أن يكون
هو يومٌ للتاريخ ، للجغرافيا ، للماضي ، للحاضر ، للمستقبل
التاريخ .. ولسنا نجهله
الجغرافيا .. حفظناها
الماضي .. لم ننسى مرارته

الحاضر .. مُبهم
المستقبل .. مجهول
هو يوم الوطن ، يوم المواطن
يومٌ عندما يُذكر يجب أن نذكره بكل تفاصيله
لا يجب أن نُسلّط الضوء على ماضٍ به نفتخر ، ونغض الطرف عن حاضر به نحتضر !
عندما نسترجع ماضي المؤسس يجب أن نستحضر معه ماضي الأجداد جميعاً ، فلهم مع المعاناة وشظف العيش قصة يطول شرحها ، ويتشعّب سردها !
في تلك الحقبة من الزمن الجميع راض ٍعن الحال
تقدّمت الأيام وتقادمت المعاناة
تطورت الأحوال وتفجّرت الأبار السوداء وماذا كانت الحصيلة ؟
قلة من المتنفذين وأصحاب القرار في ثراءٍ فاحش ، وسوادٌ أعظم من الشعب يُكابد من أجل البقاء والعيش الشريف
شعب بعضه يسكن في بيوت الصفيح ، وبعضه يسكن في بيوت شعبية ، وجُلّه يسكن مستأجراً تحت رحمة مؤشّر في حالة صعود مستمر!
رواتب لا تكاد تفي بأبسط مقوّمات الحياة الشريفة ، مئات الآلاف من العاطلين ، خدمات صحية متواضعة ، مدارس وجامعات مُتكدسة !
هذا هو الحاضر فماذا عن المستقبل ؟
هل يحق لنا أن نتفاءل بقادم الأيام ، في ظل نزف جراح يومنا الحالي ؟
هي ليست دعوة للتشاؤم
ولكنّه واقع يُجبرنا على التوقف عنده أحياناً
هي ليست دعوة لوقف مواكب الفرح
ولكنّها حقيقة تدفعنا للتريث في نثر أفراحنا
لنحتفل بهذا اليوم ، لنفرح به ، لنحمل الأعلام ، لنقبّل الرايات ونكفكف دموعنا بأطرافها
لا يجب أن نخجل ...
فمن سيرانا نذرف الدمع حينها ، حتماً سيُجيّرها لفرحة عجزنا عن مقاومتها !

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

أيا عيدُ ...!


أيا عيد ُ..

أين هم أحبائي ..

أين هم رفاقي ..

أين هم صحبتي وأخلائي ..

مات أغلاهم ..

وتناسى العشرة أكثرهم ..

لم يبقى لي سوى الذكرى تسليني ..

وبعض الدمع يكفي البعض من جرحي ..

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

وداعــــــــاً ... قد لا نلتقي !



أزف الرحيل
يا شهراً ليس كباقي الشهور
حان الفراق
يا شهر التوبة والغفران
حان الوداع
يا شهر الرحمة والقرآن
يــــا تُرى
أهو الوداع الأخير ؟
أم سيُكتب لنا معك لقاء ؟
رمضان يا سِيد الشهور لا تنقضي
رمضان يا شمس الشهور لا تنجلي
رمضان لا ترحل
رمضان لا تعجل
فمع ساعات نهارك نسمُو بأخلاقنا
وفي ساعات ليلك نسمُو بأرواحنا
رمضان يا صدى المآذن
رمضان يا صوت المنابر
فيك يا رمضان

تـُـضاء شـُـموعنا ، وتـُعمّـر مساجدنا ، وتُـفتح مصاحفنا ، ويدوم قيامنا ، ويطول سُجودنا ، وتـُرفع أكفـُنا ، وتتساقط دموعنا
فيك يا رمضان

تحنُّ قلوبنا ، وتـُشفى صدورنا ، يتعاظم عطفنا ، ويتلاشى بطشُـنا
فيك يا رمضان

نـُطلق إنسانيتنا ، نعتقل قسوتنا ، نـُكبّل شهوتنا
رمضـــــان لا ترحل وحيداً
رمضــــــان خـُذها ... دمعات الرحيل
رمضـــــــان خـُذها ... أهات الحنين
حتماً ستعود يا رمضــــان ، وليس حتماً لقاؤنا
حتماً ستعود يا رمضــــان ، وليس حتماً بقاؤنا !

السبت، 4 سبتمبر 2010

مُذكّرات طالب في الصف الأول " ب "



قبل بزوغ الفجر ، وقبل أن يرتحل الليل
تتقاطع كل ليلة في ذات المكان ، مع تغيّر الزمان ، خيوطٌ بيضاء مُستبدة
بخيوطٍ سوداء حالمة، لتقبع الأخيرة في أسر دائرة الضوء إلى حين !
هاهو الليل يُغادر خجلاً بعد أن كشف الخيط الأبيض أستاره
هاهو القمر يرحل حزيناً ، بعد أن حكى للعشاق علنه وأسراره
صياح الديك يتردّد صداه في الأرجاء ، يتداخل معه صوت المؤذن
الله أكبر ... الله أكبر
يتجدّد للعصافير لحنها الشجيّ ، تستيقظ الزهور وتنبعث منها رائحة الحياة
نستيقظ أُمّنا لتُشعل الأنوار ولا نور يفوق نور وجهها المُضيء ، تلتحف شرشفها وقطرات ماء الوضوء تتساقط من وجهها الطاهر
هيّا يا عيالي قوموا للصلاة .. قوموا الله يهديكم
دقائق معدودة نقضيها في التحوّل من جنبٍ إلى أخر ، يتم فيها استخدام الرُكب عند الضرورة
حيث أنّنا ثلاثة إخوة بأجساد بالغة النُحف ، ننام على طراحتين وتُغطينا بطانية واحدة
نستيقظ على رائحة الحليب المغلي استعداداً للذهاب للمدرسة
نجلس على سفرة الإفطار بوجوه مكتئبة ، وعيون ناعسة ، وأفواه متثائبة
والسعيد فينا من لديه حصة رياضة في ذلك اليوم ، تجده يحرص على ارتداء فانيلة حمراء وبنطلون أخضر وشُرّاب تفوح منه روائح لا زلت أحنُّ لاستنشاقها !
نحمل شِناطنا مُتّجهين بكامل إرادتنا ما يُشبه اليوم معتقل جوانتانامو !
نمشي بخطواتٍ متثاقلة ، نركلُ كُلّ ما يقع أمام أقدامنا من حجارة وعُلب فارغة في رحلة المسير
والفائز هو من يثسجّل كوبري في الأخر !
نصل المدرسة على صوت وإيقاعات أبو بكر سالم يا بلادي واصلي ، تلك الأغنية الوطنية التي تبثها إذاعة المدرسة يومياً ، حتى كرهناها لارتباطها الشرطي بالمدرسة !
هاهو الجرس يُقرع وكأنه يقرعنا في رؤوسنا القرعى !
الكل يركض مُسابقاً ، للوقوف أولاً في طابور الصباح ، باستثناء بعض الكسالى الذين يتوارون في نهاية الصفوف !
واحد اثنين ثلاثة أربع ... مقطوعة يومية لتمارين الصباح
يتخلّّلها بعض التكفيخ من بعض الجبابرة من المعلمين أثناء سيرهم بين الصفوف تحت بند
" اعدل نفسك ، حرّك يدّينك ، خُذ مسافة "
الحصة الأولى على وشك البدء والصراع على أشُدّه للحصول على شرف مسح السّبورة
غبار الطباشير يتناثر في المكان وعلامات استفهام قلقة تتناثر في الأركان
الجميع يسأل الجميع :
حلّيت الواجب ؟ حفظت جدول الضرب ؟
وقبل أن يُكمل الكسالى تعدادهم ، تطرُق باب الصف خيزرانة مُزيّنة باللونين الأخضر والأبيض تم تنسيقها بعناية فائقة ، يحملها معلم الحساب الذي يُحيّينا بعد تحية الإسلام بــالعبارة الشهيرة
الّلي ما حلّ الواجب يوقف
نقف أغلبنا في يومٍ ليس بيوم عرفة ، ليست بلادة ولا إهمال ، ولكنّنا جميعاً أبناء لوالدين يحملان درجة الأمية مع مرتبة الشرف
من يشرح لنا ، من يتابعنا ، من يساعدنا في دروسنا ؟
جميع ما سلف لا يشفع لنا لديهم ، بل أنّ عبارة أولياء أمورنا الخالدة

" اللحم لكم والعظم لنا "
بمثابة إقرار يمنح أولئك الجبابرة كامل الحق في سلخ جلودنا ، وشلوطة رؤوسنا !
لن ينسى أخي الأكبر طيلة ما بقي له قلب ينبض بالحياة ، ذلك المدرس الفلسطيني الذي قام برفعه وهو في الصف الأول ليمسح به السبورة !
ولن ينسى صديقي العزيز طيلة ما بقي له لسان يلهج بالدعاء ، وكيل المدرسة عندما قام بجلده – فلكة – أمام جميع الطلاب وهو في الصف الأول أيضاً ؟
تنقسم الحصة في تلك المرحلة إلى ثلاثة أقسام :
قسم التفتيش والتحقير ، فسم التعذيب ، قسم الشرح
انتهت الحصة الأولى وليست الثانية بأفضل منها
نفس السيناريو ونفس الحوار يتكرّر ، ولكن يختلف المُخرج ، باختلاف أساليب التعذيب آنذاك !
فُسحة ... فُسحة
عبارة الكل يعشقها ما أن يرّن جرس الفسحة حتى تجدنا نتسابق في الممرات ، في تلك اللحظة فقط

يمكنك مشاهدة شفاه باسمة !
لما لا ؟ والفسحة لنا بمثابة استراحة قصيرة ننسى خلالها بعض آلامنا ، نُرمّم خلالها بعض ما تهدّم من شخصياتنا !
نتجمّع في أركان الفناء لتناول ما يُمكنه أن يُخرس أصوات أمعاؤنا الفارغة
رُبع حبة تميس ، مدهونة بالميسور إن وُجد !
بعدها نُكمل اللهو والمطاردات ، قبل أن يتجدّد لنا مع العذاب موعد أخر !
الحصة الأخيرة تكاد تكون بمثابة الإنعاش الحقيقي لمداواة بعض جراحنا ، فمعها نُفكّر في القادم على كُبر أوجاع ما مضى
نُشغلها في التفكير ، والخيال ، والأحلام
نُفكّر في وجبة الغداء
نتخيّل تجمّع الرفاق فترة العصر للحديث عن أخر مغامرات السندباد !
نحلم بنهاية جميلة ليوم دراسي كئيب !
وبعد طول انتظار تُُدوّي في الأرجاء أجمل نغمة للجرس ذلك اليوم
نغمة الانطلاق لفضاء الحرية
تمتزج معها أصواتنا المبتهجة بنهاية سعيدة ، تتجدد بنهايتها بداياتنا الحزينة !