الخميس، 14 يوليو 2011

صــراع المنابـــر !




عندما تمت موافقة الملك فهد رحمة الله على إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في شهراغسطس من العام 2003 للميلاد
استبشرنا جميعاً بمستقبل لطالما انتظرناه ، مستقبل يسوده الحوار لا الشجار
مستقبل يسوده الاعتدال لا الابتذال
مستقبل يرينا الضوء في أخر النفق ، لا مستقبل يمُدّ ظلامه عبر الأفق
استبشرنا بكل ذلك ونحن نرى أول أهداف المركز كشمعة طالما انتظرنا من يشعلها
" تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف "
وبعد مرور قرابة الثمانية أعوام من تأسيس المركز ، وبدلاً من أن نجني ثمار بذر غرسناه
إذا بنا نكتشف أنّنا نثرنا تلك البذور على أرضٍ جدباء ، لم نعطف عليها يوماً بقطرة ماء !
كيف لا ، وبدلاً من أن يتناقش الفُرقاء بهدوء وعقلانية واحترام الأخر والقبول به داخل أروقة المجلس وجلساته المتنقلة بجميع جهات الوطن ، بعيداً عن الإقصائية المقيتة..!
باتت صفحات الجرائد ، وخُطب المساجد ، وصفحات المنتديات ، ومحطات التلفزة
منبراً لفرد العضلات ، يتبادل فيه أصحاب الفكر المتنافر ، التُّهم والشتائم والقذف بل وحتى البصاق !
أين نحن من ثاني أهداف المركز بعد كل هذه الحوارات ؟
" الإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء "
أين هو الخطاب الإسلامي المعتدل عند من اعتلى منبر الجمعة لتصفية الحسابات
وقـذف الآخــــرين ونعتهم بالخيانة !
وأين هو تأدّب المعارضين في ردودهم المتشنّجة و المتعالية عبر أعمدة السُلطة الرابعة التي يسيطرون عليها ؟
بل ليت كل تلك المعارك الشعواء ظلت أسيرة لحدود الوطن عبر منابرنا ، وصحفنا التي لا يقرأها سوانا ، وكأنّ غسيلنا لا تكفيه أرضنا لنمُد له حبالاً طويلة خارج الحدود
وننشره عبر البرامج الحوارية للمحطات الأجنبية
وعبر بوابة الأنترنت بمنتدياته المتناحرة ، وصفحات التواصل الاجتماعي ومقاطع اليوتيوب التي ستبقى شاهداً على عُمق الخلاف بين أطياف مجتمع يبقى الحوار فيه مفهوماً نخبوياً ، أول الساقطين فيه من ظنّوا أنّهم من النــُخب !
يحدث كل ذلك في الوقت الذي يمارس فيه غيرنا حق التصويت وحق الانتخاب وحق إبداء الرأي في البرلمانات .!
ماذا جنى الوطن من كل تلك الخلافات ؟
أم هي لعبة تُدار من خلف الكواليس بنظام خروج المغلوب ؟
ومهما طال أمد هذه الحروب التي لم ولن يستسلم أحد أطرافها ، يبقى الوطن هو الخاسر الوحيد ، وتبقى وحدتنا الوطنية مهددة على الدوام .
تأملت بعدها ثالثة أهداف المركز
" معالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته "
ونظرت حولي لأجد جُلّ من حولي عاطلين ، وأيتام ليسوا ببعيدين عني لا يكفيهم معاشهم التقاعدي ، وتسعون بالمئة ممن تربطني بهم معرفة لا يمتلكون مسكناً ، وتلاميذ يدرسون في مبنى مدرسي لا يوجد في فنائه ما يحميهم من حرارة الشمس ، ومواد غذائية لا غنى عنها باتت تنافس الذهب في الصعود !
فماذا استفدت كمواطن من هذا الحوار ؟
ثم يأتي رابع أهداف المركز
" ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوبًا للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا "
ليحضر معه السؤال البريء
أين هي مفاهيم الحوار وسلوكياته في مجتمع ظل عقوداً طويلة أسيراً لرأي أُحادي ، وصورة أُحادية ، وفتوى أُحادية ، ونشرة أخبار أُحادية ، وأصحاب نفوذ أُحاديين ؟
بعدها تكاثرت أهداف المركز ليأتي الهدف الخامس في أبهى صورة
" توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية "
وعند بحثي لأسما ء المشاركين في الحوارات السابقة ، وجدت أسماءً تكررت في أكثر من حوار - الشيخ حسن الصفار – على سبيل المثال ، بينما تم تجاهل أكثر الأسماء خوضاً لمعترك الخلاف الدائر ، أمثال : المشائخ يوسف الأحمد ، محمد العريفي ، سليمان الدويش !
وبدلاً من دعوتهم للحوار عبر منبر المركز ، يُجابهون بالحملات الصحفية
والاعتقالات !
ثم أين هي مؤسسات المجتمع المدني التي جاء ذكرها آنفاً ؟
وأين هي حرية التعبير ؟
بعدها يأتي الهدف السادس للمركز
" تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة "
وهنا أتساءل ببراءة ، هل تم سؤال الطبيب في مستشفاه والمهندس في مصنعه والمعلم في مدرسته ، والطالب في جامعته ، والعاطل في مقهاه ، عن همومه وطموحاته وتطلعاته حول الحوار الوطني ؟
ومع هذا التساؤل سأتجاهل عن عمد الهدف السابع من أهداف المركز
" تعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج "
لأننا ببساطة تملأها السذاجة ، يجب أن نبدأ حوارنا من الداخل !
وحريٌ بي أن أختم بخاتمة أهداف مركز الحوار الوطني
" بلورة رؤى إستراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته "
وبعد مرور كل هذه الأعوام من الحوارات التي صالت وجالت في جميع مناطق الوطن الحبيب
ما هي المخرجات التي لمستها كمواطن ؟
فوضعي الاقتصادي يزداد سوء ، والتعليم في انحدار ، والغلاء بات ناراً يأكل جميع مدخراتي ، وصروحنا الطبية تستفزني كمواطن بأجنحتها الخاصة لعلية القوم ، بينما أحتاج لواسطة في بحثي عن سرير !
و70% ممن يخدم وطني يتقاعدون ولا يضمن لهم النظام منزلاً يعيشون به مــا بقي لهم من عمر في كرامة !
أي حوار يريده المركز
والأيادي التي تكتب أجندته في الخفاء تـُدار !
والأقدام التي تخطو نحو طاولته تــُختار !
أي حوار يدفعنا للتفاؤل
وحــــرية التعبير
تبقى شعاراً قد يـُخفيك خلف القضبــــــان !

ليست هناك تعليقات: